عبد الملك بن أحمد آل الشيخ

واجه السعوديون بعد ما يسمى laquo;الربيع العربيraquo; وإلى اليوم، أسئلة كثيرة عن إشكالية استقرار بلادهم، وعن مستقبلها في منطقة بدأت تتساقط فيها حكومات وتندلع فيها حروب وصدامات، كما راهن المقامرون وأرجف المرجفون، على قدرة الدولة السعودية على الاستمرار والبقاء بعد هبوب نسمات ذلك الربيع، فاستبشر المتربصون بالسقوط، وأقبلوا بخيلهم ورجلهم احتفالا بهذا السقوط المزعوم.

والدولة السعودية ليست استثناء، فهي تخشى، باعتبارها جزءا من هذا العالم العربي المتداخل، من ارتدادات هذه التحولات على كيانها واستقرارها وأمنها.

إن كثيرا من الدول العربية تعاني تفككا من الداخل بسبب حروب أهلية أو فقر أو تغييب للتنمية، ودول عربية قليلة أفاء الله عليها، إلا أنها تسير نحو المجهول أيضا، جراء الاحتراب السياسي وصراعات بين فئات داخلية، تتجاذب هواجس الماضي وقلق المستقبل. إلا أن السعودية، دولة وقيادة وشعبا، لم تسمح لتلك الأخطار بأن تسيطر على مشهدها، وتؤثر في توجهها. بل جعلت منها نوعا من التحدي الذي تم وضعه في سياقه، وعدم إخراجه عن إطاره العملي والواقعي.

لقد استطاع السعوديون، بعقلانية متناهية، أن يقوموا بتحييد الصراعات الداخلية لديهم، وشل معادلة الغلبة والاستقواء من فئة على أخرى - تلك المعادلة التي أضرت باستقرار وأمن دول عربية عدة. إن العالم العربي، عموما، قبل وبعد ذلك الربيع، يواجه إشكالية كبرى في مشروع بناء الدولة الحديثة، والتفاعل بإيجابية مع شعوبه، من نظم عسكرية مستبدة، إلى وصفات مستوردة من الغرب والشرق بعلاتها، إلى تبني laquo;الإسلام هو الحلraquo;.

واجهت السعودية تلك الإشكالية بترسيخ وحدة الدولة، والتواصل الوثيق مع المجتمع بكافة شرائحه وطبقاته من خلال سياسة الباب المفتوح، كما مضت قدما في مسيرة الإصلاح والتغيير المتعقل، فنجحت في تحقيق كثير من التوازنات التي قد يظنها البعض تناقضا، لقصور في تصوره. فمشروع السعوديين للدولة يتجاوز التفكير الطائفي والحزبي والعشائري. شرطهم في بناء الدولة واستمراريتها هو عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم، ركيزته عقيدة سليمة، وثبات عليها، وتحقيق العدل والأمن، وضمان الوحدة الداخلية، وتحقيق التنمية، ومد الجسور مع الآخر.

إن ثقافة الاحتراب والتخوين والتمييع والتجهيل، قد أرهقت عقل الإنسان العربي laquo;ما قبل وبعد الربيع العربيraquo; وأفسدت قلوب الناشئة، مما أفقد مجتمعات بعض من تلك الدول كثيرا من وهج الروح الواثقة، السمحة، المبدعة، وحرمها فرصة التعايش والنماء اللازمة لبناء الدولة الحديثة. إلا أن السعوديين استطاعوا باقتدار كبح جماح تلك الثقافة بنموذجهم الإسلامي والسياسي المعتدل، فحافظوا على كيانهم ووحدة بلادهم وأمن شعبهم، فأهلهم ذلك للاستمرار في بناء الدولة الحديثة وممارسة دور رئيسي مؤثر في عالم عربي متغير.