سمير عطا الله

لاحظ هذا النوع من الناس: تتحدث أمامه عن شعور صحي فيهب فورا واصفا لك عشرة أنواع من الأدوية. تسأله عن أفضل الأسهم فيسمي لك عشرة كافية لإسعاد أحفادك بعد 20 عاما. تسأله عن رأيه في الأوضاع فيفصل لك دول المنطقة وأنظمتها بعد يومين.

ولاحظ هذا النوع: الطبيب الذي تشكو أمامه من صداع، فيجيب أن آلة الفحص ليست معه ولذا لا يقدر على الإجابة. والخبير المالي الذي تسأله عن أفضل الأسهم فيقول إن أفضلها عدم التعاطي بها. والعارف بالسياسة الذي يقول لك إن ما لديه من معطيات لا يكفي لإبداء رأي.

أنا أقدر النوع الثاني وإن بدا أحيانا أنه يبخل برأي. الحقيقة أنه ضنين بالمسؤولية. وليت أن المحللين السياسيين والاستراتيجيين (الجديين منهم) يعودون آخر كل عام إلى تأمل ما تكهنوا به ليروا أي علامة يستحقون. وإذا كانوا لا يستحقون أي علامة لماذا لا يبحثون عن مهنة أخرى.

لا شعور لدينا بشيء اسمه المسؤولية. ذهبت في باريس لاشتري دواء في حاجة إلى وصفة طبيب لم أكن أحملها. لكنني أعرف أصحاب الصيدلية منذ سنوات. اعتذر الموظف. قلت يستحيل عليّ العثور الآن على طبيب يكتب الوصفة. قال أحضر لنا الأدوية التي تتناولها، فربما كان في تركيبها ما يسبب ضررا مع هذا الدواء. وأصر على الرفض. ولم يهمه أن يخسر زبونا قديما بقدر ما همه ألا يضر إنسانا قديما.

في العالم العربي تستطيع أن تشتري من الصيدلية ما تشاء. ومن الأسهم ما يشاء لك الوسطاء. وأن تخسر ما تشاء. وأن تندم ما تشاء. والسبب أن هناك مسؤولا أول، هو أنت. لا الوسيط ولا الصيدلي. نحن، للأسف، نكره المسؤولية ولا نحب الشعور بها، لأنه متعب. انظر كيف يموت الناس بالآلاف وما من مسؤول واحد. انظر كيف تُخدع الملايين من دون أن يفكر أحد منهم لحظة واحدة فيما يقول أو يفعل. تأمل من تلحق الناس وإلى أين. لاحظ كيف نكره الحقائق ونرفضها ثم نمضي بقية العمر في البكاء على النكسة.

روى زكريا محيي الدين أن الرئيس عبد الناصر قرر تحميله رسالة إلى ليندون جونسون، يبلغه فيها أن غاية مصر ليست العداء ولا الحروب. لم تصل الرسالة في 7 يونيو (حزيران) لأن الحرب وقعت في 6 يونيو. خلال ذلك كان أحمد سعيد يلهب الدنيا بصوته الذي يسقط الطائرات ويحرر فلسطين. لم يشعر مذيع laquo;صوت العربraquo; لحظة بأنه كان مسؤولا عن أي شيء.