حمد الماجد

تداول الناس في laquo;تويترraquo; صورة للشيخ سلمان العودة وهو يركب دراجة نارية للانتقال بها بين مشاعر الحج وتفادي زحام السيارات، كما ظهر الشيخ في موقعه على laquo;الانستقرامraquo; وهو يلعب الكرة في رحلة خلوية عائلية، وصورا أخرى يراها البعض خلاف السائد.

قد تبدو هذه المشاهد عادية في بعض المجتمعات العربية والإسلامية، لكن ليس الأمر كذلك في مجتمعات أخرى، ولهذا ثار جدل شديد بين المغردين في laquo;تويترraquo; بين من يراها نوعا من laquo;خوارم المروءةraquo; وتصرفا لا يليق بالعلماء وطلبة العلم، وبين من رآها تصرفا عاديا وتبسطا من الشيخ، وأنه تصرف حصيف من الشيخ لكسر هالة وضعها واصطنعها الناس حول المشايخ تتجاوز حد التقدير، وبعبارة أخرى هي حالة اصطبغت بالأعراف والتقاليد، لكن لا يسندها الهدي المروي عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته والرعيل الأول من السلف الصالح.

قلت لعالم معروف: لو أنك تسابقت مع زوجتك في رحلة برية فسبقتك مرة ولما علا زوجتك اللحم سبقتها في المرة الثانية، ثم رويت بهذا التفصيل لأحد طلبتك فغرد بالرواية في laquo;تويترraquo;، هل يتقبلها الناس منك؟ وهل تقبلها على نفسك وزوجتك؟ فقال: لا. قلت: كيف لا وهو ما فعله، صلى الله عليه وسلم؟ فقد صح عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، أنها كانت مع النبي، صلى الله عليه وسلم، في سفر، قالت: فسابقته فسبقته على رجلي، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال: هذه بتلك السبقة. رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد.

بل قلت لهذا العالم الجليل: هل سيقبل الناس أن يخرج عالم كبير من صلاة الجمعة فيلحظ صديقا له من بعيد فيباغته من حيث لا يشعر فيأخذه من خلفه ممازحا له؟ أتصور أن الناس سيعتبرون هذا التصرف نوعا من laquo;الخفةraquo; التي لا تليق بعالم معتبر، مع أن السنة النبوية حفظت لنا تصرفا مشابها: laquo;كان للنبي، صلى الله عليه وسلم، صديق في البادية، يقال له: زاهر، فأتاه ذات يوم وهو في السوق، فأخذه من خلفه، فقال: (من يشتري مني العبد؟) فلما عرف أنه الرسول لم يألُ أن يلصق ظهره ببطن الرسول، فقال: إذن تجدني يا رسول الله كاسدا، فقال: (لكنك عند الله لست بكاسد، وأنت عند الله غال).

وقل ذات الشيء عن تحرج بعض العلماء وطلبة العلم من أفعال لم يتحرج من فعلها النبي، صلى الله عليه وسلم، ربما بسبب عدم استيعاب عامة الناس للمشهد أو رفضهم أصلا للفكرة، مثل تحرج بعض العلماء من اللقاء بممثلي الديانات الأخرى من قساوسة وأحبار لتحقيق مصالح أو درء مفاسد مثل المحافظة على قيم الأخلاق ومحاربة الشذوذ ونزع فتيل الفتن الطائفية، ومثل مقابلته لنصارى نجران، وثنائه على حلف الفضول الذي وقعت عليه القبائل العربية في الجاهلية.

أدرك أن مراعاة الناس مهمة laquo;حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسولهraquo;، كما قال الإمام علي، رضي الله عنه، لكن لا يصح أيضا أن تستمر هذه المراعاة إلى الأبد، ودون الجميع سُنة التدرج والتوعية والتثقيف حتى تتكامل تصرفاتنا مع نور الهدي النبوي بدلا من أن نتحرج من أفعال لم يتحرج من فعلها خير القرون.