علي إبراهيم

في مقالته التي نشرتها laquo;الشرق الأوسطraquo; بتاريخ 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2012 للكاتب الأميركي توماس فريدمان حول الوصفة السحرية لنجاح أميركا لجأ إلى مقارنة، تستحق الوقوف أمامها، بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، مركزا على التناقض الشديد بين ما يعتبره الوصفة السحرية للنظام السياسي الأميركي، وهي الدرجة العالية من التعددية والثقة، والغياب التام لذلك في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي اللذين يهيمن عليهما ما وصفه بسياسة الحكم أو الموت، ولا أحد يثق في أحد، طائفتي أو حزبي أو لا شيء، بينما لا يمكن أن يتقدم مجتمع من دون درجة من الثقة بين أطرافه، تمكنه من أن يعمل بشكل جماعي لمصلحة الجميع.

فريدمان على حق في توصيفه لما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وبلدان إسلامية يهيمن على سياستها المحلية التناحر السياسي والطائفي، وعدم القدرة على التوافق المجتمعي، والتوجس الشديد بين الأطراف المتصارعة، والذي يأخذ في بعض الحالات شكلا دمويا نراه في مسلسل القتل اليومي في أكثر من مجتمع عربي، وبالطبع لا يمكن تصور قفزة تنموية أو حضارية في ظل مناخ مثل هذا يخرج فيه الأطفال للعالم ليشاهدوا العنف كشيء طبيعي في الحياة اليومية.

الغريب أن جزءا من هذه الأمراض التي ضربت المجتمعات والسياسة المحلية والتي نشهدها حاليا لم تكن موجودة لدى أجيال سابقة، فالقدرة على التسامح والتعايش مع الآخرين كانت أعلى، واستخدام العنف بهذا الشكل، تفجيرات وتفخيخات وقتل جماعي إلى آخره، ظاهرة مستجدة عمرها عقد أو عقدان من الزمان، ولم تكن موجودة سابقا، وهي إن عكست شيئا فهي تمثل حالة تأزم واحتقان شديدة، لم تستطع أطراف المجتمعات تنفيسها أو إيجاد حل لها وتركتها تتفاقم، وفي بعض الأحيان استخدمت بشكل انتهازي من قبل الأطراف السياسية المتصارعة، مثل الذي يرعى وحشا ليأكل الآخرين فيأكله هو.

وبدت حالة افتقاد الثقة وعدم القدرة على التوافق واضحة في المجتمعات العربية التي شهدت تغييرا في أنظمة الحكم، أو التي سميت بدول الربيع العربي، وأطاحت بحكامها، فغرقت الأطراف السياسية فيها في مسيرات متعثرة لإيجاد رؤية مستقبلية مشتركة نتيجة سياسة إما رؤيتي أنا أو لا شيء، وهي طريقة تفكير لا تسهل التقدم إلى الأمام أو بناء مجتمعات عصرية.

قد يقول قائل إن احترام التعددية وبناء الثقة والقدرة على العمل الجماعي مع احترام الاختلاف نتاج ثقافي ومسيرة حضارية طويلة، ففي النهاية المجتمع الأميركي هو وريث للحضارة والثقافة الغربية التي قطعت مسيرة طويلة تخللتها حروب دموية قارية وعالمية ومنها حروب أهلية حتى وصلت إلى هذه الثقافة، وهذه القدرة من التعايش والتعددية.

وهذا صحيح، فالتغيير المجتمعي لا يحدث في يوم وليلة أو حتى سنة أو سنتين، لكن ليس شرطا أن يأخذ مئات السنوات مثلما حدث مثلا في التجربة الغربية التي كانت بعض مشاهد القرون الوسطى فيها تشبه بعض ما نراه اليوم من أعمال عنف وأفكار متطرفة في المنطقة، فالمفترض أن التكنولوجيا وتداول المعلومات اختصرت الزمن، وأصبح في إمكان الدول قطع مسافات حضارية كبيرة في عقد أو عقدين، وهو ما فعلته مثلا دول آسيوية، خاصة في جنوب شرقي آسيا.

المهم هو وضع القدمين على الطريق الصحيح، والبداية هي في القدرة على التعايش والعمل الجماعي، وإدارة الخلاف بشكل سلمي دون اللجوء إلى العنف أو محاولة إلغاء الطرف الآخر تماما.