سمير عطا الله

ألغى وزير العدل اللبناني قرطباوي شكيب قرطباوي شيئا يدعى laquo;القفصraquo; في المحاكم. ومنذ الآن سوف يمثل المتهم في حجرة زجاجية مضادة للرصاص، بدل الوقوف مثل الغوريلا وسائر القرود داخل ما سمته القوانين، بكل بساطة، القفص.

شكيب قرطباوي قانوني حضاري، ومن تنشئة laquo;الكتلة الوطنيةraquo;، مدرسة ريمون إدة في النزاهة والضمير. وقد سجل بعمله هذا سابقة راقية لعل العالم العربي يعرف بها ويدخل في زمنها. لا تقل هذه تفاصيل. هذه قضايا، وهي أيضا علامات على مدى تعلقنا بالقانون ومدى ما نفهمه ونحترمه.

لست في حاجة أمام قراء هذه الزاوية إلى أن أشرح رؤيتي لصدام حسين ومعمر القذافي أو كل من سطا على حريات الناس وهنائها وأعمارها ومستقبلها ومستقبل أولادها. لكنني كنت ضد بشاعة القفص الإذلالي الذي أقيم لمحاكمة صدام حسين ورجاله. وكنت ضد إعدام صدام حسين صبيحة عيد الأضحى. وضد قتل القذافي والتشنيع به، بدل محاكمته. وكان مهينا مشهد حسني مبارك ورجاله خلف أقفاص يحاولون استراق النظر من بين حدائدها إلى القضاة والحاضرين. يجب أن نكون مع العدالة لا مع الانتقام. المحاكمات بيت القانون وليست حديقة حيوانات.

الإنسان يبدأ عقابه بعد الحكم. الحدائد للسجن. أتمنى أن يدخل شكيب قرطباوي التاريخ العربي لأنه قال: معي، لا أقفاص بعد اليوم. قال نابليون مرة: أكثر ما يخيفني، الأفعى والمحقق. لكن من عند المحقق يخرج المتهم إما إلى الحرية وإما إلى المحاكمة. والمحاكمة لا تخيف سوى المرتكب، أما القادر على إثبات براءته فلماذا يخاف؟! ولماذا إذن يعامل الجاني والبريء بالطريقة نفسها؟!

أوقف بعض الليبيين أعضاء المحكمة الدولية الذين جاءوا يقابلون سيف الإسلام القذافي. كيف ستؤمن، إذن، بأن الرجل سوف ينال محاكمة عادلة في ليبيا؟! أكثرنا كان ضد تصرفات وعنجهيات وسوءات سيف الإسلام قبل اعتقاله وقطع أصابعه التي كان يهدد بها الليبيين. ولكن الرجل الآن سجين سياسي ويحق له كل الالتزامات التي منعها والده عن مواطنيه. لا يمكن تصحيح الظلم بظلم آخر. ولا يمكن بناء دولة القانون من دون فهم روحه وبنوده ونصوصه.

نحن لم نعرف القانون في أي وقت. دمره صدام ومرغ القذافي به الأرض وأتقن العرب هدم الجامعات وبناء السجون. كل ما نتمناه هو ألا يقلد خلفاء صدام والقذافي الرجلين خطوة خطوة وقفصا قفصا.