غسان العزي

تحمل عملية اغتيال اللواء وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات وهو الجهاز الأمني الأهم والأكثر فاعلية في لبنان، مدلولات خطرة جداً على أمن البلد ومستقبله السياسي . هناك احتمالان واحدهما أخطر من الآخر، فإما أن يكون الشهيد هو المستهدف وتنتهي الأمور عند هذا الحد، وإما أن تكون عملية استهدافه حلقة أولى في سلسلة اغتيالات يراد منها زج البلاد في أتون حرب أهلية لا انفكاك منها .

في الحالة الأولى، فإن اغتيال من كانت مهنته بالتحديد منع الاغتيالات وتفكيك الشبكات الإرهابية والعميلة وحماية السياسيين، إلى أي جهة انتموا، مع النجاحات الباهرة التي حققها في هذا المجال بشهادة خصومه قبل أصدقائه، يعني أن البلد بات مكشوفاً بالكامل، وبأن الجهة التي اغتالته قادرة على الوصول إلى من تشاء من المسؤولين، السياسيين والأمنيين والقضائيين وغيرهم، مهما علت منزلتهم . وهذا في حد ذاته أمر مرعب ومن تداعياته الخطرة، على سبيل المثال لا الحصر، أن أحداً من القضاة لن يجرؤ بعد اليوم على الفصل في تحقيق جنائي أو ملف قضائي إذا ما شعر بأنه يستفز جهة ما تملك قدرات في مجال الاغتيال والقتل .

في الحالة الثانية يشعر الجميع في لبنان اليوم بأن باب الاغتيالات إذا ما عاد ليفتح على مصراعيه،كما حدث بعد اغتيال الرئيس الحريري في فبراير/شباط 2005 (اثنا عشر اغتيالاً لشخصيات فكرية ونيابية وسياسية)، فردود الفعل ستكون مختلفة نظراً تغير الظروف وموازين القوى عما كانت عليه قبل نشوب الثورة السورية . وبتعبير آخر، فإن احتمالات الصدامات العنفية المسلحة في الشارع ستكون مرتفعة إلى درجة خطرة، وقد لا تتمكن القوى الأمنية من التصدي لها، فتفلت الأمور من عقالها ويدخل البلد في أتون الحرب الأهلية كما يخطط من يقوم بالاغتيالات .

من يقف وراء اغتيال وسام الحسن؟ بالطبع الاتهام السياسي شيء والتحقيق الجنائي شيء آخر . طرفان اثنان كانا في حالة حرب حقيقية مع الشهيد وثمة من مصلحة مؤكدة لهما في اختفاء الرجل .

لقد نجح فرع المعلومات الذي كان يقوده الحسن في تفكيك عشرات الشبكات ldquo;الإسرائيليةrdquo;وفي توقيف عملاء لبنانيين للموساد معظمهم يحتلون مراتب رفيعة في الإدارات والأجهزة الأمنية والسياسية اللبنانية .

لقد سدد ضربات قاصمة إلى الموساد ldquo;الإسرائيليrdquo;في لبنان، وكلنا يعرف أهمية هذا الجهاز الذي تستمد ldquo;إسرائيلrdquo;معظم قوتها وجبروتها مما يوفره لها من معلومات، وما ينفذه من مهام دقيقة وخطرة في صفوف أعدائها . وبالتالي فإن اغتيال الحسن هو انتصار في حرب حقيقية، وإزاحة لعقبة كأداء كانت تقف في وجه الاستخبارات ldquo;الإسرائيليةrdquo;في لبنان .

لقد أضحى لبنان مستباحاً أكثر من أي وقت مضى أمام أقوى أجهزة الاستخبارات في المنطقة وهو، كما نعرف، بات موئلاً لكل أجهزة الاستخبارات، الشرقية منها والغربية، الإقليمية منها والدولية . ومن هذه الأخيرة من يريد به شراً ويسعى إلى زجه في أتون الصراع الأهلي المسلح المرشح للانتشار في كل المنطقة . رغم ذلك فإن الحرب الأهلية في لبنان تبقى مستبعدة لألف سبب وسبب، فالحروب الأهلية عادة ما تكون انعكاساً لإرادات دولية وإقليمية، أي دول تدعم هذا الطرف أو ذاك وتمده بالسلاح والمال والأوامر . وعلى ما يبدو أنْ لا إرادة ولا مصلحة، في مثل هذه الحرب، لمعظم الدول المؤثرة في الشأن اللبناني . وزير الخارجية الروسي لافروف قال لوليد المعلم في الأمم المتحدة إن استقرار لبنان خط أحمر، وهذا ما يرددّه الفرنسيون والبريطانيون والأمريكيون ومبعوثو الأمم المتحدة من وقت إلى آخر . وقد سارع سفراؤهم بعد حادثة الاغتيال إلى مطالبة الحكومة اللبنانية، وهي ليست موالية لهم، بعدم الاستقالة والوقوع في فراغ دستوري .

حتى إن كاترين آشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، هرعت بنفسها إلى بيروت لتؤكد هذا الموقف .

في الداخل اللبناني ورغم الأزمة التي تقسم الطبقة السياسية والشارع انقساماً عمودياً حاداً، ورغم المظاهر المسلحة وسقوط قتلى وجرحى في مناوشات ذات طابع مذهبي في بعض الأزقة والشوارع في بيروت وطرابلس وغيرهما، فإن الجيش اللبناني تمكن من إعادة الهدوء في أقل من أربع وعشرين ساعة، لماذا؟ لأنه يحظى بغطاء سياسي واسع، بل بإجماع الطبقة السياسية عليه، رغم اختلافها في ما بينها . اللبنانيون الذي ذاقوا مرارة الحروب على أراضيهم سنين طويلة يأنفون تكرار التجربة، بمعزل عن ردود الفعل الآنية العاطفية التي يبررها حدث جلل مثل اغتيال وسام الحسن .

مهما سعى الساعون فلن تقع الحرب الأهلية، وإن كان لبنان سيعيش توترات متفاوتة الخطورة على إيقاع تطورات الأزمة السورية.