وليد أبي مرشد

قد توضح الأيام القليلة المقبلة ما إذا كانت جريمة اغتيال مسؤول فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني، اللواء وسام الحسن، عملية تصفية حسابات شخصية من جهة متضررة مما كشفته تحقيقاته الأمنية، أم بداية لعودة مسلسل الاغتيالات السياسية إلى لبنان. إلا أنها قطعا محاولة واضحة لوضع حد لاستقلال لبنان الاستخباراتي ولم يمض عليه أكثر من خمس سنوات. وعملية الاغتيال، بحد ذاتها، شهادة مؤلمة على نجاح فرع المعلومات في تحقيق هذه المهمة الصعبة.

ولكن، هل كان اللبنانيون بحاجة إلى حدث جلل بمستوى جريمة اغتيال اللواء وسام الحسن ليكتشفوا أن الفارق المناقبي المتبقي بين تجمعي laquo;8 آذارraquo; وlaquo;14 آذارraquo; لا يتعدى فارق laquo;الروزنامةraquo;، أي السبعة أيام التي تفصل بين صفتيهما السياسية في ذلك الشهر الدامي من عام 2005.

إذا كان مأخذ الأكثرية الصامتة في لبنان على تجمع laquo;8 آذارraquo; أنه لم يقصّر قيد أنملة في إسقاط هيبة الدولة عام 2008 (وفي هذا السياق إثارة النعرات الكامنة في الشارع اللبناني) فما لم تتوقعه هذه الأكثرية أن يتولى تجمع laquo;14 آذارraquo; استكمال هذه المهمة - وإن في ساعات انفعال مؤلمة للجميع - وأن يخرج من صفوفها laquo;ميرابوraquo; جديد ينادي باحتلال السراي الحكومي، موئل النفوذ السني في لبنان بقدر ما هو رمز السلطة التنفيذية فيه.

في لبنان laquo;كلنا في الهم شرقraquo;. ولكن لبنان، بوجود طوائفه ومذاهبه السبعة عشر يبقى نموذجا مصغرا لشرق أوسط تتصادم فيه الطروحات الديمقراطية الخالصة مع الذهنية الرعوية لمجتمعاته، ما يجعل استمراره كساحة عيش مشترك لجميع طوائفه مؤشرا أوليا لمستقبل الأقليات في المشرق العربي ككل.

والغريب أن مبدأ العيش المشترك هو الضحية الأولى لأي أزمة سياسية يمر بها.

ولكن، في هذه المرحلة الدقيقة من أحداث سوريا وما أفرزته من اصطفافات طائفية في المنطقة، أصبح المجتمع الفسيفسائي اللبناني مطالبا بغير ما في وسعه في الوقت الحاضر: خفض وتيرة التشنج السني - الشيعي لا حفاظا على وحدته الوطنية فحسب بل تمهيدا لعودة حزب الله إلى قاعدته اللبنانية، مهما طالت laquo;غربتهraquo;.

من الإجحاف تحميل تجمع laquo;14 آذارraquo;، بمفرده، مسؤولية العمل على إعادة الاستقرار إلى لبنان في ظل استمرار الخلل العسكري في المعادلة السياسية الداخلية، ما يعني أن حزب الله - بصفته المكون الرئيسي لتجمع laquo;8 آذارraquo; - بات مطالبا بملاقاة مسيرة استعادة الدولة لهيبتها ونفوذها في منتصف الطريق وبالتالي التجاوب مع اقتراح رئيس الجمهورية، ميشال سليمان، وضع استراتيجية لبنان الدفاعية بإمرة المؤسسة العسكرية الشرعية. ولكن، لأن حزب الله يعتبر تخليه عن صواريخه بمثابة عملية انتحار سياسي تقع على تجمع laquo;14 آذارraquo; - وخصوصا ما أصبح يعرف laquo;بالكتلة الوسطيةraquo; التي تضم الرؤساء اللبنانيين الثلاثة ووليد جنبلاط - مسؤولية تطمين الطائفة الشيعية بأنها جزء لا يتجزأ من التركيبة اللبنانية وأن مصيرها مرتبط بالوطن مهما كانت حسابات حزب الله الإقليمية.

وقد لا يكون من المبكر دعوة حزب الله نفسه إلى إعادة تقويم موقعه على الخريطة السياسية اللبنانية في ظل عاملين يدرك قبل غيره مخاطر استمراره في الارتباط بهما على المدى البعيد: النظام السوري وما يواجهه من ثورة داخلية، والنظام الإيراني وما يواجهه من تحديات داخلية وخارجية معا.

آجلا أم عاجلا، لا بد من أن يجد حزب الله أن ضمانة استمراريته على الساحة السياسية اللبنانية تضمنها قاعدته اللبنانية الثابتة أكثر من ارتباطاته الإقليمية المعرضة للاهتزاز إن لم يكن للزوال. وفي هذا السياق يصعب التقليل من أهمية مواقف الدول الغربية الداعمة بوضوح laquo;للاستقرارraquo; في لبنان، أي لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، على الرغم من علمهم بأنها، عمليا، حكومة حزب الله المناهض لها..