حسين شبكشي


انتخب الشعب الأميركي خلال الساعات القليلة الماضية رئيسه، فهو إما سيعيد انتخاب رئيسه الحالي باراك أوباما لفترة رئاسية جديدة، وإما ينتخب منافسه عن الحزب الجمهوري ميت رومني. والعالم كله يراقب نتيجة الانتخابات الساخنة والتي يتوقع أن تكون محمومة في ولايات كثيرة بعد أن كلفت الحملات الدعائية للمرشحين ما يفوق المليار دولار لكل منهما، وهي بهذا تعتبر الأغلى في تاريخ الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة الأميركية.

الأميركي يحاول المفاضلة بين برنامجي أوباما ورومني الاقتصاديين تحديدا. أوباما يتبنى نهجا يعتمد على توسيع قاعدة المشاركة في الاقتصاد لتحقيق المنفعة والاستفادة لأكبر شريحة ممكنة من العامة بشكل متوازن، وهي مسألة laquo;جديدةraquo; على الفكر الرأسمالي الأميركي جعلت خصومه يصفونه تارة بالاشتراكي وتارة أخرى بالشيوعي! أما رومني فيتهمه خصومه بأنه نسخة متطورة من الرئيس الأسبق جورج بوش الابن وحقبته الكريهة التي تسببت في خسائر مهولة للاقتصاد الأميركي والدخول في حروب مدمرة كبدت البلاد خسائر وأثرت سلبا على سمعتها.

أما في ما يخص البرامج الاجتماعية، فهناك أيضا تفاوت كبير بين المرشحين، وفي أكثر من ملف، وخصوصا ملف الخدمات الصحية التي قدمت في عهد أوباما ويعارضها بشدة رومني. وفي السياسة الخارجية يتبنى رومني خطا متطرفا تجاه إيران والصين وروسيا متبنيا نفس الطرح الذي ترعرع عليه فكر جماعة المحافظين الجدد إبان حقبة الرئيس الأسبق جورج بوش مع علاقة وثيقة جدا تربط الرجل برئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.

لا يتوقع تغيرات كثيرة في السياسات الأساسية مع التغير الرئاسي، فهناك ثوابت واضحة في المصالح الكبرى لأميركا، ولكن هناك تركيزا محددا وأولويات تحددها كل إدارة.. فهناك إدارة تبحث عن الحقوق والحريات وأخرى تركز على المصالح الاقتصادية. الاقتصاد الأميركي بصورة عامة بدأ في استعادة عافيته بعد أن دمر جراء سياسات جورج بوش الابن التي لا يمكن وصفها إلا بسياسات غير حكيمة وفي منتهى الرعونة.

سيكون هناك تركيز على مصادر جديدة للطاقة ومجالات جديدة للاستثمار الاقتصادي في الصحة والتعليم والتقنية والفضاء للإبقاء على فجوة التميز الاقتصادي الكبرى لصالح أميركا وجعل أوروبا والصين واليابان laquo;ورشraquo; عمل تخدم على الاقتصاد صاحب السوق الكبرى في العالم. وسيكون هناك تركيز مضاعف على كل ما له علاقة برأس المال البشري باعتباره القيمة المضافة الأهم للاقتصاد الأميركي بشكل رئيسي.

ولكن هذه الانتخابات تظهر جليا الانقسام الحاد الذي باتت عليه طوائف المجتمع الأميركي بين المحافظين والليبراليين، وأنه لن تتمكن أي شخصية أو أي حزب من الآن فصاعدا من الفوز بنسبة عالية وكبيرة وأغلبية ساحقة من أصوات الناخبين، وأن كل البرامج الانتخابية ستكون توافقية بلا شك حتى تنال الحدود الدنيا من القبول من أكبر شريحة ممكنة.

السياسة الأميركية باتت اليوم أسيرة الاقتصاد، والاقتصاد أسير البرامج الاجتماعية كسلسلة محكومة الحلقات لا حراك فيها، نظرا لأن الكل يتأثر بشكل واضح وصريح. لم يعد المرشح الرئاسي يفوز بالمنصب لأنه الأفضل ولكن لأن لديه قدرة التمويل الأكبر ولديه القدوة الأكثر تأثيرا على الإعلام، وبالتالي على الناس، إنه عصر القوى الناعمة بامتياز.. فالتلفاز وlaquo;تويترraquo; وlaquo;فيس بوكraquo; والحساب المصرفي والدعم من المشاهير هي التي تصنع بطل الانتخابات، ووداعا للبرنامج الانتخابي المميز.

العالم ينتظر إعلان اسم رئيس أميركا للسنوات الأربع المقبلة بعد انقضاء الأولمبياد السياسي والاستعراضي الكبير الممتع الذي يكتم أنفاس العالم إثارة وترقبا.. مشهد هوليوودي أكثر منه مشهدا سياسيا!