فاتح عبدالسلام


منذ سنتين، كنت أتناول حتمية التحول الظاهر والمستتر في التحالفات التي كانت سادت بين القوى السياسية العراقية، وقلت مرة في هذه المساحة إنّ التحالفات كانت هشة من أساسها ومصلحية تخفي عداءات متبادلة وإن الذي وحدها هو صدام حسين نفسه وبزواله أضحت آيلة للزوال أيضاً ولو بعد حين. وكشفت فترة الاحتلال الأمريكي للعراق قيام محاور سياسية جديدة تختلف جزئياً عما سبق الاحتلال، أساسها التحالف مع واشنطن وحكامها المدنيين والعسكريين في داخل العراق حتى كان بعض السياسيين يعول على وجود مستمر للأمريكان في العراق ويرسم مواقفه تبعاً لذلك الوجود الذي ظن أنه سيبقى الى الأبد.
وفي مقابل ذلك ذهبت قوى أخرى إلى تعزيز محور التحالف مع إيران. في حين فشلت القوى التي علّقت آمال تحالفها مع بعض العرب الذين لم يكن منهم منفعة لأحد، سوى زيادة روح الفساد في البلاد عبر عطايا ومنح لسياسيين عراقيين صرفوها على أعمال خاصة بهم ولتسديد أجور إقامتهم في العواصم المجاورة غالباً.
منذ شهور الصورة واضحة جداً. حيث التحالف السابق بين الإقليم الكردي والقوى الشيعية الحاكمة بات أكذوبة حقاً كما وصفه سياسي من التحالف الشيعي لكنه لم يردف بالقول مفسراً متى أصبح ذلك التحالف أكذوبة، حيث تعمد أن يتجاهل أنّ أكذوبة ذلك التحالف الكردي الشيعي أصبحت واقعاً بعد أن ترسخت الإفادة منه للوصول إلى السلطة وتحقيق أجندات التصفية النخبوية والفئوية والمناطقية، وبات من السذاجة المراوحة عند اتفاقيات وتعهدات عمرها عشرون سنة أو أكثر بعد تسلّم أولئك السلطة في بغداد.
الحرب لا تزال خياراً بيد بعض القوى العراقية ولم يسقط هذا الخيار أبداً، لكن هناك معوقات تقف أمامه. وفي حال غياب أسماء من المشهد السياسي الحالي الممسكة بصعوبة بهذا المشهد المتداعي، فإنّ الحرب ستكون بشكل من الأشكال خيار الهروب من الفشل في بناء تجربة تنموية أو تجربة ديمقراطية في العراق. إنَّها حرب داخلية حتماً.