نسيم الخوري

ماذا ينتظر العالم من أوباما؟

ينتظر كلّ شيء بعدما انتظر عامين لإعادة انتخابه ناسياً أنّه انتظار شكلي في محاولة رسم السياسة والنفوذ الدوليين، مع أنّه أي العالم، وخصوصاً الشرق الأوسط منه، وبلدان ldquo;الربيع العربيrdquo; المتعثّرة بحركاتها كي لا نقول بثوراتها، وتخصيصاً أو تحديداً الرقعة السورية التي انكسر منشار الثورات في عقدة من خشبها المهشّم، باتت تتقدّم وكأنّها مسرح النفوذ العالمي الذي تقعد الدول فوقه أو من حوله، أو تتطلّع نحوه بحثاً رخواً ومتردداً عن أحجام الصراعات والمتغيّرات، توقاً إلى خريطة أو هيكلية النفوذ العالمية الجديدة ومضاعفاتها المحتملة . كان هناك قوّة عظمى واحدة لدى الخروج الأمريكي من العراق، وصار هناك قوّات عظمى بصيغة الجمع يمكن قراءة ملامحها من الرقعة السورية .

هناك اختلاط من مصالح لقوّات عظمى متعدّدة الأقطاب، هذا يعني أمرين: أولاً، نجاح المجموعات المتنامية من القوى العظمى في أن تضع فيتو على القوّة العظمى الوحيدة . ثانياً، إخفاق أمريكا في إيجاد حلول ناجعة للمعضلة السورية إلا من خلال التعاون السياسي الحتمي مع بعض هذه القوى مثل الاتحاد الأوروبي (ألمانيا وفرنسا) وروسيا والصين والهند وإيران والبرازيل ودول أخرى، وكذلك مع قوى إقليمية مثل تركيا وإيران (مؤخّراً) ودول كثيرة مؤثرة ترفض الوقوع تحت سيطرة القوّة الإقليمية الكبرى، وتحاول أن تحدّ من قدرة هذه القوى على المشاركة في رسم هيكيلية النفوذ المسكون بالهيمنة التاريخية في تلك المنطقة .

وتأتي هذه العلاقات التنافسيّة نتائج للتعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وقوى إقليمية ثانوية، وهو ما حصل بالفعل . ففي سبيل خلق توازن مع الصين، عزّزت أمريكا تحالفها مع اليابان التي أغراها حماية أمن تايوان، كما حافظت أمريكا ومعها بريطانيا على علاقتهما ضدّ نفوذ أوروبا ldquo;الموحّدةrdquo; تتقدّمها ألمانيا وفرنسا . وأصبحت بولندا الحليف الأوروبي الأقرب إلى أمريكا بعد بريطانيا، وانتهزت دول أوروبا الوسطى والشرقية الفرص للوقوف بجانب أمريكا ضدّ ألمانيا وفرنسا وروسيا . ومالت أمريكا بقوة نحو أوكرانيا وجورجيا وأوزبكستان تصدياً لروسيّا، حيث وصلت أصابعها إلى الساحة الحمراء، وبنت علاقات مع الأرجنتين في أمريكا الجنوبية، إذ برزت البرازيل منافساً لها هناك .

لكن برزت هناك مصلحة مشتركة للقوى العظمى والإقليمية الأساسية للتعاون في ما بينها للحدّ من نفوذ الولايات المتّحدة . وحاول العديد منها مثل فرنسا وروسيا والصين وإيران والهند العمل معاً من وقت إلى آخر للترويج لمصالحه ضدّ الولايات المتّحدة، كذلك فعلت ألمانيا وفرنسا وروسيا في مجلس الأمن . لكن في الوقت نفسه، تريد كلّ من القوى الإقليمية الكبرى، ما عدا فرنسا وألمانيا، الحصول عادةً على أشياء من الولايات المتحدة: العضوية في منظمات دولية، التكنولوجيا، الأسلحة، المساعدة الاقتصادية، الدعم الدبلوماسي، دعوة قادتها إلى البيت الأبيض .

في ضوء هذا كلّه، هل يمكننا المجازفة، بتقديم فرضية انفكاك عقدة القوة العظمى الأحادية سياسيّاً واستراتيجياً، والجنوح المنصاع ديمقراطياً إلى الانخراط أكثر في الحلول السياسية الدولية؟

يدور الكثير من الجدل حول خروج العالم نهائياً من أحادية القطب إلى تعدديته، ويغالي البعض في تحليلاته إلى تذكّر الإمبراطوريات التي انقرضت ولم يبق منها سوى أسطر في الموسوعات . لا ندرج تلك المغالاة إلا في إسقاطات الحبر غير المسنود إلى موضوعية . ويغالي البعض الآخر مجدداً على إمكانات التقسيم والتفكيك لبلدان الشرق الأوسط، متحدّثين عن سايكس- بيكو جديد، حيال ما نشهده من يقظة عارمة للأقليّات ويقظة أخرى للإسلاميات بالمعنى الأيديولوجي عند إعادة ترتيب الكيانات، وتأسيساً على انقلاب النظام الدولي الثنائي القطب المؤلّف من قوّتين عظميين سيطر كلّ منهما على جزء من العالم وتنافسا على النفوذ في الجزء الباقي . وكان التنافس بينهما ملازماً للوضع القائم ويشتدّ نتيجة ترويج كلّ منهما لأيديولوجيّته السياسية الخاصة في العالم . ولا تدرج تلك المغالاة المبررة، إلا في رفض الفكرة بأنّ التاريخ لا يعيد نفسه كما تتآلف الأذهان، وبأنّ الانتظار العربي أو الإسلامي بهدف التغيير لا يستطيع القفز فوق مجموعات من المتغيرات والتحولات لدى إعادة رسم خريطة النفوذ الدولي، أوّلاً لأنّ التغيير هو غير الجديد الذي هو إضافة إلى القديم إذا لم يكن استنساخاً له في لعبة السلطة، ولا يمكن أن يقاس التغيير بالأزمنة توخيّاً للاستقرار، وثانياً لأنّ العالم أو الوطن العربي والإسلامي الشاسع كان واحداً بالمعنى الجغرافي والديني، وكانت مرجعيته الإقليمية واحدة هي الباب العالي في الإمبراطورية العثمانية، وثالثاً لأنّ التقسيم جاء نتيجة حرب كونية أقعدت تركيا، هذا المرجع الأحادي، مريضاً فوق الفراش . وللتذكير، فقد عصت عليها إقليمياً مناطق كثيرة منها جبل عامل وجبل لبنان والمغرب الذي سمي مقبرة العثمانيين . ورابعاً لأنّ الجغرافيا كانت عسيرة وغير مطواعة للجنود الإنكشاريين، وكانت الأسلحة غير فعّالة . في المقابل، تبدو الجغرافيا وقد خرجت نهائياً من الوعورة، وبات عالم الصواريخ والنووي والكيميائي والسلاح الذكي بحوزة الكثيرين بمّا يتجاوز الجغرافيا والحدود والخوف من تسرّبه . وهنا قد يسقط المثل القائل: ldquo;رحم الله امرأً عرف حدّه فوقف عندهrdquo; بات الأفراد زعماء ودولاً لا حدود لها أو لنفوذها . وهنا جملة معترضة: (هناك أحداث دموية جدّاً وتاريخية تركية مغرية تسكن شاشات العرب ولياليهم في مسلسلات باللهجة السورية يفتن فيها شعوب المنطقة العربية والإسلامية وخصوصاً الإناث منهم، وتحديداً تلك الشرائح التي لم يتيسّر لها علمياً وثقافياً الاطّلاع أو الإلمام بالعثمانية التي دامت 415 سنة) . كان الإسلام واحداً بالمعنى الديني والسياسي، وكانت الأخوّة واحدة في الديار الإسلامية وأقوى بكثيرٍ ممّا كانت تعنيه كلمة إخاء سواء في العهد القديم أيّام آدم ونوح، أو في العهد الجديد وأعمال الرسل حيث الإيمان ومساعدة الفقراء والرأفة بالمساكين والبؤساء وعمل الخير . اليوم ما عاد يتساوى سوى المتساوين على مختلف الصعد وأوّلها الرخائية منها، بمعنى أنّ المتساوين في الحقوق، شعوباً ودولاً وأفراداً، هم ليسوا بالضرورة أخوة . وليس صحيحاً أنّ هناك أخوّة حيث يخيّم النظام وتظهر الامتيازات، وإلاّ ما هو مبرّر ldquo;الثوراتrdquo; وإحراق الجسد في تونس زين العابدين بن علي وفي تركيا أمام مقرّ مجلس الوزراء؟ ماذا ننتظر إذاً؟

ليس أكثر من طاولات دولية وإقليمية سياسية عنوان إحداها سوريا وأصداؤها فلسطين، قد يستهلك السنوات الأربع لأوباما في تجاذبات إقليمية وصراعات مذهبية وطائفية متنامية تحدونا إلى التخبط أكثر في معنى الأخوة الإسلامية، لكن طموحها الأرقى من يقعد حول الطاولة!