فؤاد مطر


تكاد الموقعة الحمساوية ndash; النتنياهوية التي وضعت بعض أوزارها يوم الثلاثاء 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012 بعد جولات استغرقت أسبوعا صاروخيا بامتياز ومن طرفي المواجهة (قطاع غزة المستحوذ عليه من حركة laquo;حماسraquo; وشقيقتها لجهة الوالدة laquo;حركة الجهاد الإسلاميraquo; وإسرائيل المعتدية ماضيا وحاضرا ودائما) تشبه في بعض ملامحها وظروفها ومساراتها حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. فكما أن الحرب الساداتية بدأت بعد خدعة بالغة الذكاء من جانب الرئيس أنور السادات فإن المغامرة من جانب مثلث العدوان الإسرائيلي على غزة (نتنياهو - ليبرمان - باراك) حدثت على خلفية خدعة. وللتذكير فإن الرئيس السادات سرب إلى وسائل الإعلام فيما ساعة الصفر محددة والأبطال جاهزون للعبور من الشاطئ الحر إلى الشاطئ المحتل من قناة السويس، وحيث خط بارليف المكهرب الذي طالما حذر محذرون أبرزهم الأستاذ محمد حسنين هيكل من مخاطر اقتراب الجنود المصريين منه، نبأ مفاده أن مئات من القيادات العسكرية المصرية ستتوجه إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة لتأدية العمرة، فإن نتنياهو وطاقم الخارجية والدفاع في إسرائيل عمموا وبشكل لافت معلومات بثتها الإذاعات ونشرتها الصحف ومفادها ما معناه أن إسرائيل وضعت في إضبارات أمر تنفيذ القضايا الملحة مسألة التعامل العسكري مع laquo;حماسraquo;، وعزز هذا التعميم أن الرئاسة المصرية في شخص laquo;أخيraquo; الغزاويين الحمساويين محمد مرسي ومعه جهاز المخابرات الذي هو من اختيار العهد الإخواني الجديد في مصر نشطت من أجل تحقيق تهدئة بين laquo;حماسraquo; وإسرائيل تغنيها عن تعقيدات التدخل مضطرة كنصيرة laquo;حماسraquo; في حال حصل تصعيد في الموقف.

قادة إسرائيل في عام 1973 بلعوا الطعم الساداتي وكانت المباغتة التاريخية التي انتهت بأن مصر بدأت المرحلة العملية لإزالة آثار العدوان. وقادة laquo;حماسraquo; ومعهم أهل الحكم في مصر اطمأنوا إلى أن الموقف لن ينفجر استنادا إلى ما عممته إسرائيل وترك انطباعا بأن إسرائيل ستحترم كلامها فلا تفجير للموقف وبالتالي لا إحراج للحكم المصري الذي لم تستقر أموره بعد فضلا عن أن مشكلة المتشددين في سيناء مصدر قلق له وإلى درجة أن انطباعات استشرت ومفادها أن إسرائيل ستدفع بالغزاويين إلى سيناء وهذه تصبح بالتالي دولة لهم بموجب توافقات دولية في هذا الشأن.

في المحصلة النهائية خرج الطرفان مثخنين بأنواع من الجراح والخيبات. ودخل الجانب الأميركي على خط المعضلة كي لا تضطر مصر إلى أن تضع موضع التنفيذ ما قاله رئيسها حول إن مصر الحالية هي غير مصر الماضي وبما معناه أن محمد مرسي هو غير محمد حسني وأن النجدة من جانب laquo;إخوان مصرraquo; laquo;إخوان غزةraquo; بمثابة واجب لا بد من تأديته وإلا فإن أدبيات الحركة التي ينتمي الجانبان إليها وكذلك شعارات العقيدة لا تعدو أكثر من هتافات في مسيرات. ولقد جاء الدخول الأميركي وفي شخص وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في لحظة بدا فيها أن جراح الغزاويين تتحول إلى صمود مضاف وأن ورقة الصواريخ طويلة، بدليل أن الذي يطلق ألف صاروخ لا بد أنه يمتلك أضعاف هذا العدد وأن الوعيد laquo;نار جهنمraquo; ليست مجرد كلام من دون فعل. ومن الجائز الافتراض أن هيلاري كلينتون استحضرت في لحظة تأمل مبنية على تحليلات للموقف ومعلومات دقيقة تلقتها من وزارة الدفاع ومن إدارة الاستخبارات ومن السفارة في تل أبيب، الأجواء التي عاشها الدكتور هنري كيسنجر عندما أمضى لحظات من التأمل كوزير للخارجية في زمن حرب أكتوبر 1973 بين مصر السادات وإسرائيل في ما لديه من معلومات ورأى أن الموقف قد ينتهي إلى أن القوات المصرية لن تكتفي بسيناء وإنما قد تتوغل أكثر وأكثر وفي هذه الحال لا يعود في استطاعة إسرائيل أن تبقى على تفوقها وتسيدها، بل وربما ينتهي بها الأمر إلى أنها ستصبح مجرد جالية مضمونة حق البقاء والحماية في مجتمع فلسطيني استعاد حقه. وفي ضوء هذا الافتراض جاءت laquo;ثغرة الدفرسوارraquo; لتنتهي حرب السادات منقوصة النصر الأكبر. وبالنسبة إلى الحالة الجديدة فإن laquo;ثغرة الدفرسوارraquo; الجديدة تتمثل في مسارعة هيلاري كلينتون إلى لي عناد نتنياهو وليبرمان وباراك وفرض مبدأ القبول بالتهدئة.

وبصرف النظر عن التبريرات التي قيلت في هذا الشأن فإن إسرائيل مثلث العدوان الجديد laquo;نتنياهو - ليبرمان - باراك raquo; خرجت مثخنة بالإحراجات والخيبات وهي من النوع الثقيل الوطأة على نفس الجيل الإسرائيلي الحالي الذي لا بد ستتبدل رؤاه بالنسبة إلى وجوده. وهذا الجيل يريد أن يستقر ويهنأ بالعيش وحسن الجوار وهذا ما يمكن أن تحققه له laquo;المبادرة العربيةraquo; التي واصلت عدم الالتفات والاهتمام بها ثلاث حكومات إسرائيلية متعاقبة منذ أن حظي صاحب المبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز بموافقة كل الدول العربية عليها. وفي هذه الأيام حيث يتعافى خادم الحرمين الشريفين من عملية جراحية أجريت له في عموده الفقري واستغرقت إحدى عشرة ساعة يدعو الغزاويون، كما سائر الوطن الفلسطيني المحتل وشعوب الأمتين العربية والإسلامية وبالذات الشعب اللبناني الممتن للمساعي الطيبة من أجل الوفاق والرفق بالوطن يبذلها دون كلل، كما السلف الطيب الدكتور عبد العزيز خوجه بتكليف من ولي الأمر، السفير المتميز علي عسيري وتتمثل بزيارات وتمنيات ونصائح لمن يحتاجها وهم كثيرون، بالمزيد من التعافي وطول العمر للملك عبد الله لكي يسقي بالحنكة والحكمة المبادرة التي كان من شأن التفاف الحكومات الإسرائيلية حولها بدل الالتفاف عليها، أن توفر على المنطقة هذه الفوضى التي لا طائل تحتها. ففي نهاية المطاف لا بد من القدس عاصمة لدولة فلسطين وإن طال زمن النضال بشقيه السياسي والعقلاني والإيماني وحتى بعد دخول المواجهة الصاروخية بندا في مقتضيات المواجهة.

وتبقى المسألة الأهم وهي أن المكسب الحقيقي للفلسطينيين مما حدث هو في الاستفادة من الدروس وعدم تبديد الفرص المتاحة لتوحيد الصف وبلورة الرؤية.

ونجد أنفسنا نتساءل هنا: هل لو أن الطرفين الفاعلين في الصف الفلسطيني التزما بما تحقق لهما في لقاء مكة المكرمة (من 6 إلى 8 فبراير/ شباط 2007) الذي رعاه الملك عبد الله بن عبد العزيز شخصيا فلم يرتد هذا الطرف على ذاك ويتبعثر تبعا لذلك الصف والتنكر لحلفان اليمين، كان سيصيبهما ما هو حاصل لهما الآن حيث يعتدي على laquo;حماسraquo; ويتوعد المعتدي بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سيطرح موضوع الدولة الفلسطينية كعضو مراقب في الأمم المتحدة.

جوابنا أن ذلك كان على الأرجح لن يحدث. وفي حال حدث هذا الذي يحدث فإن الأمتين ستكونان سياسيا ونفطيا بالنخوة التي كانت عليها حالهما في القمة العربية الاستثنائية في الخرطوم عام 1967.

عسى ولعل يستخلص أهل المأساة الفلسطينية العبرة وعسى ولعل يترجم الرئيس أوباما ورموز القرار في المجتمع الدولي وعودهم إلى تنفيذ وبذلك لا يتكرر العدوان وتتراجع لغة الصواريخ أمام لغة التوافق التي بموجبها تعيش شعوب المنطقة في سلام وهذا ما أبلغته هيلاري كلينتون وباسم رئيسها باراك أوباما إلى مثلث العدوان الإسرائيلي بعدما استحضرت أجواء السبعينات واقتنعت بأن الأسبوع الصاروخي بين غزة الحمساوية وإسرائيل المتجنية كان يستوجب التهدئة التي جاءت مثل laquo;ثغرة الدفرسوارraquo; الكيسنجرية علاجا لتداعيات احتمال قوي بنصر كبير للجيش المصري في معركة مهد لها الرئيس السادات بخديعة. لكن خديعة السادات محقة ونبيلة المقاصد فيما خديعة مثلث العدوان الإسرائيلي على غزة كانت من النوع الساذج.. أو هي إحدى ألاعيب المحتالين.