يحيى الأمير

في كثير من البلدان العربية، غالبا ما تكون قوى المعارضة التقليدية جزءا من السلطة في سلوكها السياسي، خاصة أنها نشأت وتربت سياسيا في واقع يقوم على الاستبداد، وبالتالي فنشأتها السياسية وتاريخها هو الذي يحدد سلوكها السياسي فيما بعد، ولعل ذلك لا ينطبق على أية قوى سياسية كما ينطبق على الإخوان المسلمين. لقد تربى الإخوان المسلمون سياسيا على العمل الحركي والسري أكثر من العمل السياسي الحقيقي، ولذلك فهم حركيون أكثر من كونهم سياسيون، والجيل الحالي الذي يحكم مصر هو جيل الملاحقين المطاردين الذين تعرض كثير منهم للاضطهاد أيام النظام السابق، فكل الأدوات السياسية التي يحملونها الآن وكل الوعي السياسي الذي ينطلقون منه الآن هو وعي نشأ في فترة الأنظمة السابقة التي حكمت مصر، وإلى الآن لم يظهر جيل جديد من الإخوان يحمل وعيا جديدا ورؤية تصحيحية تخرج بها الحركة من سلوكها كحركة مطارَدة مشغولة بالثأر، لتتصرف كقوة سياسية راشدة ووطنية. بل لا مبالغة في القول بأن حركة الإخوان الآن في مصر تترسم خطى الحزب الوطني ونظام مبارك، يظهر ذلك في تطويع المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية، وفي التعامل مع الخصوم، فلم يعد ينقص الرئيس مرسي إلا أن يصف المتظاهرين في التحرير بأنهم (شوية عيال).
الإعلان الدستوري المدوي الذي أعلنه الرئيس مرسي والذي أدخل مصر في أزمة سياسية جديدة، يؤكد أن الرئيس لا يفرق إلى الآن بين الكادر الحركي وبين الرئيس الوطني، فلا زال يتصرف على أنه قائد في جماعة وليس رئيسا لدولة، فاتجه لخدمة وتقوية الجماعة على حساب الدولة، خاصة والجميع يدرك أن قرارات الرئيس ليست حرة ولا مستقلة فهي مرتبطة بجماعة وبمرشد وبتنظيم، ولذا فإن الرئيس مرسي يؤخر مستقبل مصر لصالح مستقبل الجماعة. إذا كانت هذه هي الورطة السياسية الثالثة التي يقع فيها الرئيس المصري، فإنه باختصار يرفع من حالة الوعي الشعبي باتجاه رئاسة غير مستقرة وقوة غير قادرة على أن تحقق أيا من طموحات الثورة، وهو ما سيضاعف المطالب إلى سيناريوهات قد لا تتوقف عند المطالبة بإلغاء الإعلان الدستوري، خاصة أنه لا يوجد أي حزب في مصر من بين الأحزاب الكثيرة بما فيها حزب النور وغيره من الأحزاب الدينية توافق بالكامل على كل ما جاء في الإعلان الدستوري. وهو ما يعكس إجماعا سياسيا مبكرا على رفض التوجهات الإخوانية الساعية للاستبداد، والتحول من المنطق الديمقراطي إلى القوة الواحدة والمهيمنة.
حتى لو تراجع الرئيس عن إعلانه الدستوري، فلن يخفف هذا من الشعور العام بأن الإخوان قد فشلوا في تقديم شخصية سياسية راشدة وواعية تحترم مبادىء وقيم الثورة، وسيظل الناس يتذكرون باستمرار أن الإخوان هم آخر من التحق بالثورة، ومع ذلك هو أول من قطف ثمارها، وحتى النصر الذي حققوه في الفوز بالرئاسة والذي جاء بفارق ضئيل عن منافسهم إنما مثل الخيار الأوحد أمام المصريين، فلا يمكن لمزاج ثوري لا زال ساخنا في تلك الفترة أن يعيد انتخاب آخر رئيس وزراء في عهد النظام الذي أطاحت به الثورة، وإن كان ما حققه من أصوات ليس بالقليل. مرسي يقود الآن دولة مفلسة اقتصاديا، وكل المقومات التي لديها الآن هي مقومات معنوية، تتمثل في الطموح العالمي بأنها ستنهض وتزدهر، وما عدا ذلك فالواقع الاقتصادي المصري مترد للغاية، لكن يبدو أن الرئاسة لا تفكر في ذلك كأولوية، وإلى الآن لم تشهد مصر قرارا اقتصاديا ومعيشيا محوريا، لأن الرئاسة منشغلة بالجانب السياسي أكثر من انشغالها بالتنمية والاقتصاد.
يوشك الإخوان على إضاعة فرصة تاريخية كبرى، يبدو أنهم هم أيضا يشعرون بذلك وهو ما يفسر توجههم نحو الإمساك والتفرد بكل مقومات السلطة في مصر، لأن الاستبداد هو الذي سيضمن لهم فترة رئاسية قادمة، أما الصناديق فسيكون لها حديث آخر.