رشيد بن حويل البيضاني


كتبنا كثيرا عن السلبية القاتلة التي اتسمت بها مواقف الدول العربية ممثلة في الجامعة العربية تجاه عظائم الأمور وكبار القضايا والأحداث، وبتنا نتندر حول بياناتها التي لا تخرج عن الشجب والاستنكار، وإذا استشاطت غضبا وصلت إلى حد الإدانة.
وجاءت أحداث غزة الأخيرة، والعدوان الصهيوني الهمجي على أرضها وشعبها، حيث استباح الإسرائيليون ــ كعادتهم ــ دماء الأطفال والنساء والشيوخ، ناهيك عن استهداف كل مقومات الحياة في هذا القطاع، لا لذنب ارتكبه الغزاويون، وإنما لأنهم يرفضون الاحتلال ويقاومونه بإمكاناتهم المحدودة، ووسط حصار خانق فرضه الاحتلال: بحرا وجوا وبرا.
انتفض معالي وزراء الخارجية العرب، وقرروا الاجتماع تحت قبة الجامعة العربية بالقاهرة، وكثيرا ما اجتمعوا، وتشاجروا، وخرجوا دون أن يحققوا لشعوبهم شيئا، لكنهم في هذه المرة ــ ونرجو دوام ذلك ــ قرروا كسر عادتهم الذميمة المتمثلة في الشجب والاستنكار، وقرروا الدعم الفعلي لغزة وأهلها، وذهب وفد ضم بعض وزراء الخارجية العرب، وعلى رأسهم الأمين العام للجامعة العربية، لزيارة الأشقاء في قطاع غزة، والإعراب
ــ ولو معنويا ــ عن الدعم العربي لنضال الغزاويين، وقد سبق هذه الزيارة وتلاها زيارات قامت بها شخصيات مسؤولة ومرموقة من عدة دول عربية، وهذا كله لم نكن نتوقعه بعد أن فقدنا الأمل في الحراك العربي، وكم كنا نحلم ونتمنى بوفاق واتفاق عربي على موقف واحد، ينعش فينا الأمل، ويجعل العالم من حولنا يقدر لنا حجمنا الذي تضاءل كثيرا في الآونة الأخيرة.
لقد كان لهذا الاتفاق العربي آثاره الواضحة، فلأول مرة يسارع laquo;الراعيraquo; الأمريكي ويتصل بالعديد من قادة وزعماء العرب، في محاولة منه لإنقاذ الطفل المدلل laquo;إسرائيلraquo; ، بعد أن فشلت الترسانة الحربية الصهيونية، بكل ما فيها من عتاد ومعدات، وبقبتها الصاروخية التي تكلفت مليارات الدولارات، من الوقوف أمام الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة.
إسرائيل بجبروتها وغطرستها، تنكسر أمام الصمود الغزاوي، والإرادة العربية، وتستجيب لشروط حماس، وتوقف حملتها العسكرية التي استدعت لها عشرات الآلاف من جنودها الاحتياط، وتحقق غزة انتصارا لا ينكره أحد، بفضل الله تعالى أولا، ثم بفضل صمود المقاومين الأبطال، ثم بالموقف العربي الداعم للمقاومة، ذلك الموقف الذي لم يقتصر على الزيارات والتصريحات، وإنما تعداه لقوافل المساعدات التي توالت عبر رفح دون أن تأبه بقوات الاحتلال وجبروتها.
هذا نموذج واحد، لاتفاق العرب على التحرك الجماعي لنصرة غزة وأهلها، فماذا لو استمرت الجامعة العربية في وحدتها هذه، وتحركت بإيجابية تجاه كل ما يعرض عليها من قضايا ؟!.
لقد ثمن العالم كله هذا التحرك العربي الواعي، وحسبت دول كثيرة حساباتها، وأدركت أنه قد آن الأوان ليخرج المارد من القمقم، ولا شك أنه ما كان يمكن لهذا الاتفاق الذي كسر إسرائيل أن يتم، لو لم تضغط الدول الغربية والولايات المتحدة على وجه الخصوص على إسرائيل، لتقبل بالشروط الفلسطينية.
بقي أن يعي الإخوة في حماس وفتح قيمة الوحدة والاتفاق، وينحيا جانبا خلافاتهما.. وأنا على يقين من أنهم سيكسبون احترام العالم، وستفكر إسرائيل كثيرا قبل أن تشن غارة على الشعب الفلسطيني، وليتذكر الجميع أن الله تعالى قد أمرنا بالاعتصام ونبذ التفرق، والتاريخ يثبت ضرورة الوحدة وخطورة الفرقة.
وآه لو اتفق العرب !!.