أحمد عبد الملك

تابعتُ خلال عام كامل حوارات laquo;تويترraquo; التي أتاحت فرص التعبير الحر دون رقابة الصحف أو حتى الرقابة الذاتية التي يفرضها الكُتاب على أقلامهم لظروف معينة.

ووجدتُ في بعض تلك الحوارات عنفاً واضحاً عندما تُثار قضية معينة! ولا أعرف لماذا يتصاعد هذا العنف اللفظي، ولكأن المتحاورين أعداء يقارعون بعضهم بالمقالع والسيوف. ويصل الحوار إلى درجة أكثر سخونة عندما يخرج البعض -المتحمس- عن موضوع الحوار ليدخل في السيرة الذاتية للمُشارك، ويتهمه اتهامات غير لائقة، ويشكك في أصوله ودينه وقيمه، ويصل الأمر إلى (القذف) الذي ترفضه القيم والقوانين.

وقارنتُ هذا الأمر بما يجري في بعض البرامج التلفزيونية، حيث تخرج كلمات متشنجة وغير لائقة، لا بالمشاهدين ولا بالمحطات، ويسمعها الكبير والصغير، وتحمل معاني السبّ العلني، والصفات المهينة، وتلك التي تجرح مشاعر الأسرة. فكل القضية اختلاف بين موقفين حول قضية واحدة. ناهيك عما قد يرافق هذا الاشتباك اللغوي الخارج على أصول اللياقة من تلويح بالأيادي ونشر الأصابع في وجه الضيف الآخر، ليصل الأمر إلى تقاذف بالكراسي وتحطيم ديكورات البرنامج.

وهذا العنف الواضح في ردود الأفعال عند بعض العرب يجهض محاولات إيصال المادة أو المعلومة للأطراف الأخرى! ويربك الأفكار وتسلسلها. كما أنه يُفرز مواقف سلبية تجاه الطرف المتحدث أو المشارك في laquo;تويترraquo; ما يعني ابتعاد الناس عنه وعدم قبول فكرته، حتى وإن كانت سليمة أو تقف عند حافة المنطق.

والطبيعة العنيفة عند البعض في الحوارات تحتاج إلى علاج، على اعتبار أن طبيعة الإنسان هي الاستواء واللطف وتقدير الآخرين. والعلاج يأتي بالخبرة، وتقدم السن في المقام الأول! ولكن يجب البحث عن أسباب هذا laquo;التوترraquo; التويتري أو التلفزيوني، الذي لا يعترف بحق الإنسان في إبداء رأيه، وأن خير وسيلة لإسكاته أو حتى إيذائه، هي تحقيره والتشكيك في نواياه أو سمعته وخلع الألقاب السيئة عليه، بل وتأليب الناس عليه عبر اتهامه بعدم الولاء لوطنه ومجتمعه. وهذا سلاح الضعفاء والجبناء الذين لا يستطيعون مقارعة الحجة بالحجة أو الذين يسكنون في laquo;تابوت التاريخraquo;!

إننا نعتقد أن وضع الأسرة يؤثر على تصرفات الأبناء! وبعض الأبناء يحاولون تقليد أعضاء الأسرة -خصوصاً الوالدين- في التطرف مثلاً في نُصرة الذات والتمحور حولها أو حول العائلة، والانتصار الأعمى للأخ أو ابن العم وعدم قبول أي رأي قد يخالف ما تعتنقه الأسرة أو الجماعة، حتى وإن كان صائباً ويصب في مصلحة الجماعة. وهذه laquo;الحميةraquo; غير الحميدة قد تصل إلى أبناء البلد الواحد، والمفترض أن يتوصلوا إلى رأي جديد بعد كل حوار، لا أن يكون الحوار مدعاة أو وسيلة لخلق ضغائن أو انشطارات بين أبناء البلد الواحد، وربما حتى يصل الأمر إلى المحاكم.

إن فكرة تعلّم الحوار، والتأني في الرد والصبر على الطرف الآخر كي يكمل فكرته والتركيز على ما يقوله من أجل وضع الرد المناسب والسديد، من الأمور المهمة التي تجعل الإنسان محبوباً ومتزناً حتى مع الذين يختلف معهم، وتعينه على رباطة جأشه حتى لو استفزه الطرف الآخر أو أبدى رأياً معارضاً لرأيه.

إن التروي وضبط النفس أثناء الحوار، يمكن أن تأتي عبر تدريب ذاتي، ولا يحتاج الأمر إلى كتاب أو مُدرس، بل يتعين تكريسه بالممارسة اليومية ووضع الإنسان نفسه في مكان الطرف الآخر، واختبار الكلمات أو الردود على نفس المتحدث، قبل أن يطلقها على الآخرين. كما أن المتلقي يكتشف خبث أو سوء مقاصد المشارك السيئ الذي يحقر الناس ويتهمهم جزافاً دون أن يكون له رأي مفيد في القضية موضوع الحوار.

والراهن أن العنف اللفظي الذي نشهده هذه الأيام هو نتاج ثقافة عامة كونتها بعض الأعراف الخاطئة، وامتزجت بحالة الإحباط أو اللامبالاة أو عدم التقدير عند البعض، نتيجة حياة الدعة وعدم المعاناة، أو عدم الحاجة، كون معظم الكماليات متوافرة، وأن الأهل سيتكفلون بكل شيء للشاب، حتى يتفرغ لـlaquo;الشلةraquo;، التي هي الأخرى تشكل الثقافة العامة للشاب، بما في ذلك حصيلته اللغوية وألفاظه وسلوكياته ونظرته للأمور ومدى رحابة أو ضيق صدره، ولربما شغفه بالاستهزاء بالآخرين أو العبث من أجل العبث، أو قد يكون هذا laquo;المارقraquo; غير مستقر نفسياً! وخصوصاً في ظل الاختفاء أو التخفي وراء الأسماء المستعارة.

لقد قررتُ تقليل مشاركتي في laquo;تويترraquo; لأنني لاحظتُ هذا العنف الدائر، والعبث، والاستخفاف بحقوق الآخرين وشخصياتهم، من قبل البعض الذي يريد المشاركة فحسب حتى وإن كانت سلبية وlaquo;تغث الكبدraquo;! وأيضاً لأنني لاحظتُ وجود طابور متحمس للانقضاض على الآخرين وبسرعة، حتى لو لم يعرف أو يستوعب فكرة النقاش. حتى وإن لم يمتلك هذا البعض laquo;ذرابةraquo; الحديث أو ثقافة المشاركة! ومثل ذلك أيضاً الانسحاب الطوعي من متابعة بعض البرامج التي تمارس العنف على المشاهدين، في وقت يحتاج فيه المشاهد إلى الراحة والهدوء والأفكار النيرة وأوقات التسلية التي تريح الأعصاب، وتبعث البهجة في النفس. فيا أيها laquo;التويتريونraquo; ويا مقدمي البرامج الحماسية، رفقاً بأنفسكم ورفقاً بنا عبر الحديث العف الكريم.