لندن

أصداء الصراع السياسي في مصر، وتداعيات إخراج رفات عرفات لتحليل عينات منه ، ومآلات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل التحولات الجارية بالشرق الأوسط، والخلاف الفرنسي والبريطاني حول موازنة الاتحاد الأوروبي... أهم القضايا التي تناولتها الصحافة البريطانية خلال الأسبوع الماضي.

استقطاب حاد

خصصت laquo;الجارديانraquo; افتتاحيتها ليوم الجمعة الماضي للحديث عن التطورات الأخيرة التي تشهدها مصر وحالة الاستقطاب الحادة بين الإسلاميين، وباقي القوى السياسية على خلفية الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي الذي اعتبر من قبل البعض تعدياً واضحاً على مؤسسات الدولة، كما تقول الصحيفة، فيما رأى آخرون من المعسكر الإسلامي أنه خطوة لا بد منها لحماية الثورة وضمان كتابة الدستور والانتهاء منه، وبداية تقول الصحيفة: ما جاء به الإعلان الدستوري، رغم طابعه التسلطي الواضح لما يحتويه من توسيع كبير لصلاحيات الرئيس، فإنه ينطوي أيضاً على بعض المطالب التي بُح صوت الثوار للمطالبة بإقرارها مثل إقالة النائب العام، عبد المجيد محمود، الذي يعتبر أحد رجالات مبارك ولما تحيط به من شبهات تخص تساهله في قضايا إنصاف الثوار ومحاكمة المتورطين في قتلهم، لكن مع ذلك ترصد الصحيفة تناقضاً كبيراً في مسوغات الرئيس ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين وباقي الأحزاب الإسلامية الأخرى المتحالفة معها، إذ كيف يمكن للإعلان الدستوري الادعاء بأنه يروم تحصين مؤسسات أساسية في الدولة من تدخل القضاء والطعن فيها وحماية عملية كتابة الدستور بالحؤول دون التشويش عليها وتعطيل عمل اللجنة التأسيسية، وفي نفس الوقت هدم مؤسسات الدولة بنسف القضاء وتوسيع صلاحيات الرئيس، ولتفكيك هذا التناقض الذي يطبع الإعلان الدستوري تسوق الصحيفة مبررات المدافعين عنه، تلك المبررات التي لا تعدم وفقاً للصحيفة بعض الوجاهة.

فأولاً يجادل الإسلاميون بأن القضاء ليس مستقلاً، لا سيما وأن بعض القضاة المنتمين إلى تيار الاستقلال آزروا خطوة الرئيس، فضلًا عن شعور طاغ بوجود قوى فعلية تخوص صراعاً حقيقياً لتعطيل عملية الانتقال، وربما عودة الجيش إلى الواجهة، وثانياً الدور الذي لعبه القضاء ممثلاً في المحكمة الدستورية في حل البرلمان السابق ومنع الرئيس من إعادته، وأخيراً يرى مناصرو الإعلان الدستوري أن الصلاحيات الموسعة للرئيس مؤقتة، وستنتفي ما أن يكتب الدستور الجديد، وفي جميع الأحوال وبالنظر إلى حالة الاستقطاب الحادة التي تعرفها مصر حالياً ترى الصحيفة أن مرسي لا يستطيع الحكم دون توافق سياسي.

من قتل عرفات؟

سؤال يطرحه laquo;روبرت فيسكraquo; في مقاله المنشور يوم الثلاثاء الماضي بصحيفة laquo;ذي إندبندنتraquo; بعد قرار السلطة الفلسطينية باستخراج رفاته لأخذ عينات وتحليلها لتحديد أسباب الوفاة، وذلك بعد الضجة التي أثيرت جراء تحقيق قناة laquo;الجزيرةraquo; ودعوات سابقة من قبل عقيلته سها التي اشتبهت في تسميم عرفات، ويستعرض الكاتب أولاً المرات العديدة التي تعرض فيها عرفات خلال مشواره النضالي للاستهداف كانت أهمها قصف البناية التي غادرها قبل لحظات على ضربها في بيروت عام 1982، كما أنه الوحيد تقريباً الذي نجا من بين باقي عناصر حركة التحرير الفلسطينية من الاغتيال في الوقت الذي امتدت فيه أيدي الموساد لأبي جهاد وغيره من القياديين، لكن عرفات، يقول الكاتب، الذي حوصر في مبنى المقاطعة خلال الأيام الأخيرة من حياته، تحول إلى شبح وفقد الكثير من رصيده السياسي بعدما غُرر به، على حد تعبير الكاتب، للتوقيع على اتفاقيات أوسلو التي كانت أكذوبة إسرائيلية برعاية دولية، ليتحول عرفات من إرهابي كبير قاد الفلسطينيين في بيروت ورفع السلاح في وجه إسرائيل إلى رجل دولة يُفرش له السجاد الأحمر في عواصم العالم عندما وافق على أسلو وتحول إلى سلطة، إلا أنه سرعان ما عاد إلى موقع الإرهابي عندما رفض الوقوع في الخطأ مرة أخرى والتوقيع على اتفاق كامب ديفيد، الذي روجت إسرائيل كذباً، يقول الكاتب، أنه أعطى 99 في المئة مما كان يريد مما كان يطلبه ومع ذلك رفضه. والحقيقة أن عرفات رفض التخلي عن القدس التي طالب بها إيهود باراك، وأخيراً يتساءل الكاتب عمن قتل عرفات، فحتى إذ عرف سبب الوفاة وتأكد أن الرجل سمم بالبولونيوم 210، فكيف سيتم التعرف إلى القاتل؟ هل الإسرائيليون الذين كانوا يكرهونه، أم أيد فلسطينية امتدت له غدراً؟

الشرق الأوسط الجديد

في افتتاحيتها ليوم السبت الماضي تطرقت مجلة laquo;ذي إيكونمستraquo; إلى الهدنة التي وقعت في الأسبوع الجاري بين إسرائيل وlaquo;حماسraquo; برعاية مصرية في ضوء التحولات الأشمل التي يشهدها الشرق الأوسط، فالصحيفة تجادل بأنه في الوقت الذي يتواصل فيه الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل وتبقى معضلة الشرق الأوسط الأولى مفتوحة على كل الاحتمالات، تعرف الدول العربية المحيطة بإسرائيل تحولات كبرى قد تغير الكثير من الفرضيات، وأول ما تتوقعه المجلة هو تعزيز صفوف القوى المتشددة على الجانبين، فـlaquo;حماسraquo; من جانبها ستستفيد من صعود القوى الإسلامية في بلدان laquo;الربيع العربيraquo; ليتشكل ما يشبه هلال إسلامي يحيط بإسرائيل بدءاً من مصر وليس انتهاء بسوريا التي سيتولى فيها الإسلاميون الحكم، بالإضافة إلى النشاط المحموم للإسلاميين في الأردن، كما أن laquo;حماسraquo; ترى في نفسها قوى صاعدة في الشرق الأوسط بعد الاختراق الأخير الذي حققته وما تقول إنها هدنة انتزعتها من إسرائيل بشروطها التي تتضمن رفع الحصار؛ أما إسرائيل فترى أنها تمكنت من تحجيم laquo;حماسraquo; وضرب صواريخها الأمر الذي يصب في مصلحة التيار اليميني بزعامة الحكومة الحالية، لكن تحولات المنطقة تقول المجلة لا تعني مواجهات حتمية، فالقوى الجديدة الصاعدة في مصر وغيرها منشغلة بترتيب البيت الداخلي والاستجابة للرهانات الاقتصادية العاجلة، هذا في الوقت الذي تريد فيه حماس التركيز على تعزيز سلطتها بدل استفزاز إسرائيل، كما أن هذه الأخيرة واعية بسقوط أنظمة حليفة لها وصعود أخرى أكثر حساسية للرأي العام، وهو ما قد يعطي الأمل في تبلور حل سياسي لحل الصراع بضغط من القوى الدولية التي على رأسها الولايات المتحدة الحريصة على مصالحها لدى الأنظمة الوليدة في الشرق الأوسط.

خلاف فرنسي بريطاني

انتقدت صحيفة laquo;دايلي تلجرافraquo; في افتتاحيتها ليوم الأحد الماضي الموقف الفرنسي المعارض للمطالب البريطانية بالحفاظ على قيمة التعويضات التي تحصل عليها من الاتحاد الأوروبي نظير مساهمتها المتزايدة في الموازنة العامة للاتحاد، فقد لام الرئيس الفرنسي في الأسبوع الماضي إصرار بريطانيا على الاحتفاظ بتلك التعويضات، وغياب ما أسماه بروح التضامن مع الاتحاد الأوروبي.

غير أن الصحيفة ترى في التعويضات البريطانية مكسباً تقليدياً انتزعته مارجريت ثاتشر في العام 1984 نظير ضخ الأموال في الاتحاد، هذا المكسب الذي تراجع عنه laquo;بليرraquo; بالتنازل عن نصفه مقابل إصلاح الدعم الموجه للقطاع الزراعي الذي تستفيد منه فرنسا بالدرجة الأولى، والحال أن هذا الإصلاح ظل مجرد حبر على ورق ولم يعرف طريقه إلى التطبيق، ورغم تقلص التعويضات البريطانية إلى 3 مليارات جنيه استرليني تبقى ضرورية، حسب الصحيفة، لما توفره من أموال للخزينة البريطانية، ومع أن هذا الصراع يتخذ أحياناً أبعاداً تاريخية تعيد إلى الواجهة التنافس التقليدي بين البلدين، إلا أن ما يحركه في العمق هو الأزمة الاقتصادية التي تعانيها فرنسا حالياً وحاجتها الملحة لمزيد من الأموال تأتيها من الاتحاد الأوروبي، وهو ما لا تستطيع بريطانيا تقديمه في الوقت الحالي، حيث تدعو الصحيفة الفرنسيين إلى إصلاح الاقتصاد واتخاذ الإجراءات الضرورية لتخفيف من كلفة الدولة التي تصل إلى نصف الناتج المحلي الإجمالي، هذا بالإضافة إلى مراجعة قانون العمل الذي لا يسمح بتسريح العمال.

إعداد: زهير الكساب