ناجي صادق شراب

جاءت الحرب الثانية على غزة بعد أربع سنوات من الحرب الأولى في سياقات داخلية وإقليمية ودولية مغايرة تماماً للحرب الأولى ما سيترتب على هذه الحرب تداعيات سياسية أكبر من الحرب نفسها، فهذه الحرب تسبق الانتخابات ldquo;الإسرائيليةrdquo; المبكرة التي ستجعل من نتيجتها عامل حسم بالنسبة لحزبي الليكود بزعامة نتنياهو وحزب ldquo;بيتناrdquo; بزعامة ليبرمان وهما يريدان أن تكون هذه الحرب ثمناً لفوزهما . وتأتي هذه الحرب والفلسطينيون ما زالوا في حالة انقسام، ومتجهون نحو خيار الأمم المتحدة وطلب العضوية غير الكاملة للدولة الفلسطينية التي سيشكل الاعتراف بها بداية مرحلة سياسية جديدة من الصراع . وتأتي هذه الحرب بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية وفوز الرئيس أوباما بولاية ثانية، وعلاقته بنتنياهو وحكومته فيها قدر كبير من التوتر وعدم المصداقية، ولذلك تريد أمريكا تغييراً في الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وأحد الطرق لذلك غزة . والأهم أن هذه الحرب تأتي في زمن التحولات وثورات الربيع العربي، وفوز الإخوان بالحكم والسلطة وخصوصاً في مصر، فأصبح القرار السياسي بيدهم، وهم دائماً يؤكدون على عدم الاعتراف بrdquo;إسرائيلrdquo;، ودعم القضية الفلسطينية، ومناصرة الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة، وهنا تلعب مصر دوراً مهماً ومباشراً ومؤثراً بحكم علاقاتها العقيدية والسياسية بحركة حماس التي تحكم غزة، ولذا هذه الحرب هي اختبار حقيقي لكل دول الربيع العربي كي تترجم شعاراتها وأقوالها إلى أفعال حقيقية، وفي الوقت ذاته هذه الحرب قد تبعث على القلق والتخوف لدى الدول العربية الأخرى بأن تكون دافعاً لحالة من عدم الاستقرار والفوضى السياسية، وزيادة احتمال التدخلات الخارجية، بامتدادها لتصبح حرباً إقليمية إذا ما استمرت فترة أطول . وستشكل هذه الحرب تهديداً مباشراً للمصالح الأمريكية والأوروبية، فهي تأتي في سياق زيادة دور الشعوب العربية .

هذه السياقات هي التي قد تفسر لنا الأهداف الحقيقية من وراء هذا العدوان، فلا يمكن إختزال مثل هذا العدوان فقط في وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية كما تدعي ldquo;إسرائيلrdquo;، ولا يمكن اختزالها في مسألة الانتخابات ldquo;الإسرائيليةrdquo;، ولكنها أهداف ترتبط بالسياقات التي تتم فيها، فهي حرب ضد كل الخيارات الفلسطينية وخصوصاً خيار التوجه للأمم المتحدة وضربه، بتصوير الفلسطينيين أنهم لا يريدون السلام، إنما يريدون الحرب، وأيضاً ضرب المقاومة ووضع حد لها، وسلبها قدرتها على الردع . وهي رسالة للدول العربية الأخرى وخصوصاً دول التحول العربي، وقياس قدرتها على الرد والفعل، مستغلة انشغالها بقضاياها الداخلية، ورغبتها في تثبيت حكمها وسلطتها ولو على حساب القضية الفلسطينية، ولا شك أن لهذه الحرب أهدافاً تتعلق بقياس الموقف الأمريكي والتزامه بالتحالف مع ldquo;إسرائيلrdquo;، ورغبة نتنياهو في استعادة التحالف مع الرئيس الأمريكي أوباما .

وفي سياق هذه الأهداف فهي حرب لها امتدادات إقليمية ودولية، وهذا مصدر للتخوف والقلق، ما يفسر لنا التحركات السريعة والخجولة بعض الشيء لفرض تهدئة . وبالمقابل فإن هذه الحرب قد فرضت أهدافاً أوسع وأشمل بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، وخصوصاً حركة حماس التي نجحت في الخروج من الحرب الأولى أقوى من ذي قبل، ونجحت بعدها في أن تصبح فاعلاً مهماً في المنظومة السياسية الفلسطينية والعربية، ولذا هي تسعى من هذه الحرب إلى تحقيق مكاسب سياسية وديبلوماسية تحصل بها على الاعتراف والشرعية، وهذا قد يفسر لنا لجوء الحركة إلى استخدام الصواريخ بعيدة المدى وتوجيهها نحو تل أبيب والقدس لأول مرة منذ أكثر من عشرين عاماً فقط لتوجه رسالة أنها قادرة على الردع، وهذا بهدف تحسين شروطها السياسية في أي تهدئة مقبلة، تحسن من خلالها أيضاً دورها كفاعل رئيس ومهم في زمن التحولات العربية، وهذا الوضع قد يطيل مرحلة الردع، وقد يدفع المقاومة إلى استخدام كل ما لديها من قدرات قتالية، وقد يدفع ldquo;إسرائيلrdquo; إلى مزيد من التصعيد، وقد تذهب إلى حرب برية تفرض فيها شروطها، هي حرب من جانب ldquo;إسرائيلrdquo; ليس بهدف العودة لغزة، وليست حرباً من جانب المقاومة وحماس لهزيمة ldquo;إسرائيلrdquo;، هي حرب لتحقيق أهداف سياسية، وتثبيت وجود، وفاعلية سياسية أكثر من ذي قبل . وهذا يدفعنا للتساؤل عن التداعيات والنتائج السياسية على الوضع ldquo;الإسرائيليrdquo; والفلسطيني والعربي والدولي .