محمد الحمادي

لم يعد من لا يعرف laquo;الإخوانraquo; جيداً بحاجة الى أن يقرأ في فكرهم أكثر، فيكفيه اليوم أن يتابع سلوكهم وتصرفاتهم ليعرفهم... ومن لا يزال لديه شك ولبس حولهم ويحتاج أن يكون له موقف واضح وlaquo;عادلraquo; وموضوعي تجاه laquo;الإخوانraquo; فما عليه إلا أن يتابع تصرفات حزب laquo;الحرية والعدالةraquo; في مصر، وفي الوقت نفسه ليتابع تصرفات حزب laquo;النهضةraquo; في تونس، ليعرف ما هم laquo;الإخوانraquo; ومن هم وإلى أين يمكن أن يأخذوا الدول... ومن يريد أن يعرف ماذا سيفعل laquo;الإخوانraquo; في بلده لو أنهم وصلوا إلى سدة الحكم، فلينظر إلى ما يفعله laquo;الإخوانraquo; في مصر، فهم فكر واحد، وفعل واحد، وكما أنهم بداية، فإنهم نهاية واحدة، فما يحدث في مصر يحدث في تونس، وسيحدث في أي مكان يكونون فيه.

هناك أربع أشكاليات واضحة في مصر ترتبت إحداها على الأخرى الأولى هي تشكيل الجمعية التأسيسية، والثانية هي الإعلان الدستوري، والثالثة هي الدستور، والأخيرة هي موعد الاستفتاء على الدستور. الإعلان الدستوري صدم الشارع المصري صدمة كبيرة، وأربك laquo;إخوانهمraquo; في الداخل والخارج، وصدم أصدقاء laquo;الإخوانraquo;، وجعل المخدوعين بهم والحالمين بحكمهم يستيقظون على كابوس مريع... وبعد هذا الإعلان بأيام دخل الشعب والقوى السياسة في متاهة وصدمة أخرى هي الاستعجال في إقرار الدستور بتحديد 15 ديسمبر موعداً للاستفتاء عليه.

ما يفعله laquo;الإخوانraquo; في مصر يتلخص في أنهم يلغون السلطة القضائية، ويحاولون إقرار دستور يؤسس للاستبداد، ويحاولون فرض ديمقراطية زائفة، لذا فإن أغلب أطياف الشعب يقف ضدهم.

لم يكن laquo;الإخوانraquo; بحاجة إلى شىء اليوم بقدر حاجتهم إلى laquo;الحوار مع الآخرraquo;، لقد كانوا بحاجة إلى أن يعرفوا كيف يتحاورون مع من يختلف معهم في الرأي والرؤية... لقد كانوا بحاجة إلى أن يجلسوا إلى جانب من يعترض على أفكارهم من أجل أن يصلوا إلى نتيجة ترضي الطرفين. لكن من جديد أثبت الإخوان فشلهم في القدرة على الحوار مع الآخرين لذا وجدناهم في laquo;أزمة الدستورraquo; التي يعيشونها اليوم وقد تقوقعوا وانزووا مع من يشبهونهم في الفكر والسلوك laquo;إخوانهم السلفيينraquo; الذين رغم اختلافهم في أشياء كثيرة سياسية وغير سياسية إلا أنهم وقفوا إلى جانب laquo;الإخوانraquo;، لأنهم يتشابهون في سلوكهم السياسي، ولأنهم يسيرون على مبدأ laquo;أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريبraquo;. أما مصلحة الوطن والديمقراطية والرأي الآخر وقبول من يختلفون معهم، فكل ذلك لا مكان له لديهم!

ورغم الاستقالات التي في جميع الاتجاهات والاعتراضات من مختلف الشخصيات، فإن laquo;الإخوانraquo;، وما يزالون يتجاهلون مطالب النخبة السياسية والمثقفين والقضاة والصحفيين فضلاً عن تجاهلهم للشباب وللشعب الذي خرج ضد القرارات، فاتهمه laquo;الإخوانraquo; بأنه أقلية مغرضة! فما أشبه اليوم بالبارحة.

laquo;النجاحraquo; الأبرز الذي حققه laquo;الإخوانraquo; خلال الأشهر الخمسة الماضية من حكمهم في مصر هو laquo;تقسيمraquo; المجتمع المصري... والفشل الحقيقي الذي يعيشونه أنهم لم يستطيعوا بعد عامين من الثورة أن ينقلوا الشرعية من laquo;ميدان التحريرraquo; والميادين العامة إلى المؤسسات والسلطات المنتخبة، فما تزال الكلمة العليا إلى اليوم للشارع، أما laquo;الإخوانraquo;، فقد أصبحوا خارج الميدان. إذا لم يتدارك laquo;الإخوانraquo; في مصر أنفسهم خلال هذه الأيام، فسيكونون قد ارتكبوا أكبر خطيئة في حق بلدهم بتسببهم في انقسام حقيقي بين الشعب المصري وبين شرائحه وفئاته، بعد أن وحدتهم الثورة وجعلتهم شعباً واحداً على قلب واحد.

المشهد الغريب في مصر أن الجماعات الإسلامية في ناحية وباقي الشعب والأحزاب المدنية في ناحية أخرى فيما يتعلق بموضوع الدستور والاستفتاء عليه... اما الكلام الغريب فهو ما يردده الإخوان هذه الأيام فأحد قادتهم تكلم عن الدستور من وجهة نظره التي لا يريد أن يرى غيرها فقال: laquo;إن الشعب المصري يناقش الدستور في المترو والمقاهيraquo; ولكنه لم يوضح كيف يناقشه ولماذا؟... كما أنه تجاهل الذين ناقشوا الدستور في ميدان التحرير ولم يعترف أن كثيراً ممن يناقشون الدستور من الشعب المصري هم ممن يرفضونه أو على الأقل يتحفظون عليه -ما عدا أعضاء الإخوان ومؤيديهم الذين يلتزمون بما يقره قيادتهم- وذهب هذا القيادي الإخواني أبعد في حديثه فقال laquo;شباب مصر يحفظون مواد الدستورraquo; الجديد الذي لم يقر بعد!!

هكذا يؤكد laquo;الإخوانraquo; أنهم لا يرون إلا ما يريدون ولا يسمعون إلا ما يطربهم ، أما غير ذلك وإن كان اختلافاً بسيطاً فهو غير موجود في حساباتهم أو أنه رأي من أشخاص مغرضين أو مغرر بهم! فكيف يمكن أن يحكم أشخاص بهذه العقليات دولة بحجم مصر؟

أما العالم فكله يراقب ما يحدث في مصر ويترقب ما سيسفر عنه، وحتى الولايات المتحدة الأميركية التي قدمت دعماً -ربما غير محدود laquo;للإخوانraquo; في الأسابيع والأشهر الأخيرة- تبدو مترقبة للأحداث هناك... أما من لديهم بقايا تردد في laquo;الإخوانraquo;، فإنهم يراقبون عن كثب ما يجري، فأحداث مصر ستساعدهم كثيراً في أن يفهموا ما أشكل عليهم ويجعلهم يعرفون مع من يكونون وكيف.