وسام سعادة

هل يفعلها بشّار الأسد، ويلجأ الى استخدام الغازات السامّة وغيرها من الأسلحة الكيميائية التي سبق للنظام أن أقرّ بحوزته لها؟
نعم، هذا خطر جدّي لا يمكن التعامل معه باستهانة. أو بالأحرى، لا يمكن التعامل مع توالي التحذيرات الغربية والدولية بشأنه باستهانة وخفّة، كالقول quot;الشعبويّquot; الرائج بأن هذه التحذيرات ترسم للطاغية البعثي خطّاً أحمر تدرك سلفاً أنه لن يطاله، فيبرّر الغرب والمجتمع الدولي بذلك التلكؤ عن التدخّل. لا، هذه quot;صبيانيةquot; في مقاربة المسائل. صحيح أن الغرب والمجتمع الدولي ارتكبا خطأ في عدم التحرّك منذ وقت طويل لانهاء عذابات السوريين، بما يقطع الطريق أيضاً على تنامي المتطرّفين، الا ان هذا شيء وجديّة المخاوف والتحذيرات الغربية المتصاعدة حول الأسلحة الكيميائية شيء آخر تماما.
فليس قليلاً أن يعود الرئيس الأميركي باراك اوباما وبقوّة لاثارة المسألة قبل يومين، بعد ان كان شدّد عليها في آب الماضي.
وهذا الموقف يرتكز بشكل أساسي على تقارير استخبارية تفيد عن شروع الشبكة الارهابية التي ما زلنا نسمّيها quot;نظاماً سورياًquot; في تجميع العناصر المخزنة في العادة بشكل منعزل بعضها عن بعض، تحاشياً للحوادث، والتي يحتاج quot;غاز السارينquot; الى تركيبها كي يصبح سلاحاً كيميائياً فتاكاً قادراً على شلّ الأعصاب، ثم القتل. وعلى الرغم من ان وسائل الاعلام الغربية قد تناقلت الخبر مشدّدة على تواضع الكميّات التي جرى سحبها من المستودعات حتى الآن لأجل تركيبها، الا ان نفي هذا الخبر في المقابل من قبل النظام الارهابي هو أمر لا يمكن الركون اليه، مثلما لا يمكن الأخذ على محمل الجدّ أي نفي مسبق من جانب نظام كهذا لنيّته في استخدام هذا السلاح، بل انه حتى لو استخدمه سيبقى ينفي، ويكابر، ويطالب بلجنة تحقيق، وربّما باعادة مراجعة مناهج الكيمياء في الجامعات الغربية.
والموضوع من وجهة النظر الأميركية والغربية، متعدّد الأوجه. فالنظام الذي بات يفقد السيطرة على كل شيء في سوريا، يمكنه ايضاً ان يفقد السيطرة على بعض المستودعات الكيميائية، أو أن يجعل من ذلك مبرّراً لاستخدام الاسلحة المحرّمة دولياً، كما ان هناك خطورة حقيقية تتمثّل بانتقال كمية من هذه الأسلحة الى quot;حزب اللهquot;، وهنا أيضاً شهادة نفي السيد حسن نصر الله، في حديثه الى قناة quot;الميادينquot; في شهر أيلول، النية في مهاجمة اسرائيل بالكيميائي هي شهادة لا تقدّم أو تؤخر، بل قد تكون حمّالة أوجه. الأميركيّون يخشون حقاً استخدام النظام البعثي الارهابي للأسلحة الكيميائية، أو نفاذها الى تنظيمي quot;القاعدةquot; وquot;حزب اللهquot;، أو كليهما معاً. وبالمناسبة، ليس صحيحاً ان الأميركيين كانوا يفتعلون حكاية الترسانة الكيميائية عشية غزوهم العراق. كانوا هناك أيضاً جادّين في مخاوفهم بصرف النظر عن القالب الاستراتيجي الذي انطرحت فيه هذه المخاوف، وعدم دقّة المعلومات الاستخبارية، والنتيجة quot;التنقيبيةquot; المحصّلة بعد ذلك.
فبالنهاية، تدرك الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية انها تتعاطى مع أنظمة quot;غير مسؤولةquot;، سواء في حالتي صدّام والقذافي، أو في حالة بشّار الأسد، ولا تزال المعضلة الأميركية والغربية هي فهم ما اذا كان نظام الملالي الايراني quot;مسؤولاًquot; أو quot;غير مسؤولquot;.
فهل يفعلها بشّار الأسد؟
وهل تؤدي التحذيرات الغربية الى تنبيهه لردعه، أم تصطدم بتعنته، وتعنّت جميع المراهنين سرّاً أو علناً على quot;المشكلةquot; التي يشكّلها بالنسبة الى العالم اليوم؟
لو فعلها، لا قدّر الله، لن يجد الممانعون من حرج اضافيّ. فمنهم من سوف يكابر رأساً ويقول انّ أميركا بتحذيراتها المتكرّرة تثبت بأن السلاح الكيميائي مجرّد تلفيق اعلامي امبرياليّ. ومنهم المخضرم الذي سبق له ان هتف من قبل quot;بالكيماوي يا صدّامquot;، ولن يجد صعوبة في جعلها quot;بالكيماوي يا بشّارquot;.
فتاريخ اللعنة البعثية التي حلّت على العراق وسوريا كان بشكل أو بآخر تاريخ quot;لعنة كيميائيةquot;، سواء عندما استخدمت في حلبجة من قبل صدّام حسين، أو عندما اتخذت ذريعة لانهاء نظامه، وسواء اذا ارتضى بشّار الأسد بحكم التاريخ الذي يستعد لأن يكون قاسياً عليه وعلى دائرته دون ان يستخدم الغازات السامّة، أو اذا اختار الرعونة المطلقة.
في الحالتين، الغرب جديّ كلياً عندما يتطرّق الى هذا الاحتمال.