عماد المهدى

في لحظات حاسمة من تاريخ الأمم ربما لا تتكرر كثيراrlm;,rlm; يقف الشعب المصري بأكمله اليوم

ليسطر بإرادته الحرة وقناعته التامة عقده الاجتماعي الأول الذي جاء نتاجا لجهد سنوات طويلة تحمل فيها الشعب ذل الحاكم وإذلال حاشيته, وصاغته لجنة تأسيسية منتخبة تم تشكيلها بإرادة شعبية وموافقة مجتمعية.
حيث شاركت فيها مختلف التوجهات والفئات والمكونات التي يتشكل منها المجتمع المصري ليخرج دستورا توافقيا يجمع بين الشتات ويعبر عن سنة الاختلاف, ويحدد ملامح الدولة المصرية الجديدة, ويعلي من شأن الإرادة المجتمعية. وإذا كان من المقبول الآن دعوة الجميع للمشاركة بفاعلية فيما يثار من مناقشات وحوارات مجتمعية حول ما تضمنه الدستور من نصوص وما نظمه من علاقات وما وضعه من أحكام, فإنه من المقبول أيضا أن ينقسم الرأي حوله تأكيدا علي النقص البشري, الذي عبر عنه البعض بالقول: ما من إنسان يكتب في يومه كتابا إلا ويأتي في غده ليقول لو أضيف هذا لكان أحسن ولو حذف هذا لكان يستحسن.
ومن هذا المنطلق, كانت الدعوة إلي الاستفتاء علي الدستور بالإيجاب وإن كانت تلقي قبولا عاما من غالبية الشعب المصري, إلا أنه من الواجب توضيح المنطلقات والقناعات التي توجب الموافقة علي ما تضمنه هذا الدستور رغم تحفظي علي بعض النصوص الواردة فيه والتي سبق وأشرت اليها في مقال سابق وتحديدا المادة الثالثة, وبعض المواد الأخري, وتتمثل أبرز هذه المنطلقات فيما يلي:-أولا: ليس صحيحا ما يدعيه البعض من أن مسودة الدستور المطروحة أسوأ من دستور1971, فصحيح أن دستور1971 تضمن نصوصا جيدة خاصة في باب الحقوق والحريات, إلا أنه بتعديلاته الأخيرة وتحديدا عامي2005-2007 جاء بما لم تأت به الدساتير المصرية السابقة أو دساتير العالم المتقدم, وخاصة المادة(76) الخاصة بالترشح لرئاسة الجمهورية, فضلا عما تضمنه من سلطات مطلقة وربما سلطات أقرب إلي السلطات الإلهية التي كان يملكها رئيس الجمهورية في النظام البائد, وهو ما يؤكد علي المغالطات التي يحاول البعض أن يثيرها بشأن تلك المسودة معتمدا عما ارتكبه النظام السابق في تجريفه للحياة السياسية المصرية وتغييب الاهتمام السياسي لدي المواطن العادي. ثانيا: تكشف القراءة المتأنية والمتفحصة لنصوص الدستور وبنوده عن رؤية متكاملة بين أبواب الدستور بما يؤكد أنه دستور معبر تعبيرا حقيقيا عن روح ثورة الخامس والعشرين من يناير وأهدافها في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, فما تضمنه الدستور في باب الحقوق والحريات يفوق ما كان موجودا في دساتير مصر السابقة كتشكيل الجمعيات بالإخطار وإصدار الصحف والمجلات بمجرد الإخطار, وكذلك حق تنظيم التظاهرات, فكل هذا غيض من فيض لا يسع المقام لذكره. يضاف الي ذلك التزامات الدولة التي حرصت المسودة التأكيد عليها في مختلف القطاعات الخدمية كالصحة والتعليم والمرافق... إلخ, سعيا إلي ترسيخ مجتمع العدالة الاجتماعية. ثالثا: تأتي دعوة الرئيس محمد مرسي إلي الاستفتاء علي الدستور في منتصف هذا الشهر حرصا علي إنهاء حالة الانقسام والانفصام التي شهدها المجتمع المصري خلال الأيام القليلة الماضية حول إصداره في22 نوفمبر إعلانا دستوريا حرص من خلاله علي استعادة روح الثورة المصرية واستكمال مسيرتها والذود عنها, ملبيا المطالب الشعبية بإعادة المحاكمات لقتلة الثوار شريطة وجود أدلة جديدة احتراما للقانون وتقديسا للعدالة, وتعيين نائب عام جديد. ومن ثم, ليس صحيحا ما يثيره البعض حول أن هذا الإعلان قد جاء من أجل دفع الشعب للموافقة علي مسودة الدستور, وإنما جاء بهدف الوقوف بحزم ضد كل من يحاول أن يهدم كيان الدولة ويقوض مقومات المجتمع بهدم مؤسساته ونشر الفوضي بين ربوعه. خلاصة القول أن مسودة الدستور معروضة الآن علي المجتمع بكافة فئاته وتكويناته لدراستها ومناقشتها بكل حيادية وموضوعية, بما يتطلب معه إعمال العقل فيما ورد فيها من نصوص ترسي أسس دولة القانون وتعلي سيادته وتؤكد علي انطلاقها صوب مستقبل أفضل شريطة أن يجد الواقع العملي تطبيقا حقيقيا لما تضمنه الدستور من نصوص وأحكام, أخذا في الاعتبار أن هذه ليست مهمة الحكومة أو السلطة القائمة, وإنما هي مهمة مشتركة بين السلطة والمجتمع.