محمد نورالدين


مر نوروز الأكراد هذا العام في تركيا بأقل قدر من التوتر والخسائر لدى الطرفين الناس الأكراد والقوى الأمنية. ومع ذلك وقياسا على السنوات القليلة الماضية فقد كان بتعبير وسائل الإعلام التركيةquot;دامياquot;.
ولا يزال تطرح أحداث النوروز السنوية المسألة الكردية في تركيا على بساط البحث ولا سيما بعد تصاعد حدة الخطاب القومي.
من مؤشرات الاحتقان أن شرطيا لم يتردد في أن يوجه لكمة إلى واحد من أبرز قيادات الأكراد النائب أحمد تورك فتورمت عينه اليسرى ونقل إلى المستشفى. وجاءت هذه الحادثة لتصب الزيت على النار على العلاقة بين الأكراد والدولة.
يحدث هذا في ظل غياب أي محاولة من جانب الدولة لمعالجة جديدة لهذه المشكلة رغم أنها تتأثر بالتوترات الإقليمية ولا سيما الوضع في سوريا.
يحمّل البعض الحكومة التركية مسؤولية التوتر الأخير في النوروز بأنها منعت الأكراد من الاحتفال بالنورز قبل موعده. وكانت العادة أن يقيم الأكراد احتفالات تبدأ قبل أيام من موعد العيد. لكن الحكومة هذه السنة منعتهم من ذلك نظرا لأن تقارير استخباراتية كانت تشير إلى أن الأكراد سيحوّلون الوضع على الأرض إلى جحيم.
لذا كان كلام رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان قاسيا يوم الثلاثاء الماضي بالقول quot;إننا نعرف عبر الاستخبارات ما كان يعد لذا منعنا الاحتفالات المسبقةquot;.
يقع كلام أردوغان هنا خارج السياق الذي يفترض أن تقع فيه البحث عن حل للمشكلة الكردية في تركيا.
ذلك أنه هو نفسه اعترف في العام 2005 بوجود quot;قضية كرديةquot; فيما تراجع عن ذلك في العام الماضي بالقول إنه لا توجد قضية كردية في تركيا بل مشكلة مواطنين من أصل كردي.
غير أن ما لفت نظرنا ما نشر في بعض الصحف التركية عن وجود خطة حكومية جديدة للتعامل مع المشكلة الكردية.
وتقضي الخطة بالتخلي عن الإستراتيجية السابقة في الانفتاح على الأكراد بعدما لم يقابل الأكراد quot;حسن نواياquot; الحكومة بالمثل المتمثلة في مباحثات أوسلو بين الاستخبارات التركية وممثلين عن حزب العمال الكردستاني وفي عملية عودة بعض المقاتلين الأكراد عبر بوابة الخابور من شمال العراق والتي حوّلها الأكراد إلى تظاهرة انتصار استفزّت التيارات القومية وأحرجت حزب العدالة والتنمية الذي قرر حينها التخلي عن الخطوة بل اعتقال من كانوا عادوا من المقاتلين.
وتجيء الخطة ردة فعل على إظهار الحكومة على أنها في موقع ضعف ما دفع بها إلى تجريد حملة على قواعد المجتمع المدني الكردية أو المؤيدة لهم. وإلى اعتماد إستراتيجية جديدة تهمش كل القيادات الكردية ولا سيما زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان وحزب السلام والديمقراطية.
ومن أهم عناصر هذه الإستراتيجية الجديدة:
1- لن تستخدم الحكومة في حل المشكلة الكردية أي قناة خارج القنوات السياسية المدنية.
2- وبالتالي إبقاء أوجالان وقيادات حزب العمال الكردستاني سواء في جبال قنديل أو في أوروبا خارج أي اتصالات. وفي هذا رد على حزب السلام والديمقراطية الذي يطالب بأن يكون أوجالان هو المخاطب في مباحثات الحل.
3- إبعاد المواطنين الأكراد في الجنوب الشرقي عن ضغوطات حزب العمال الكردستاني ومنظمةquot;اتحاد المجتمعات الكرديةquot; التي هي اتحاد عام يضم ممثلين عن الأكراد في تركيا وسوريا والعراق وإيران.
4- اتخاذ الشعب الكردي مباشرة هو المخاطب.
5- عدم اعتماد أي منبر للبحث في الحل خارج البرلمان التركي. أي التباحث مع الممثلين الذين جاؤوا عبر طرق ديمقراطية والذين يتحركون في إطار مدني ولا تكون المرة عليهم من أوجالان وقنديل.
6- استمرار العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني.
7- إذا كان لا بد من مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني فلكي يلقي سلاحه فقط.
8- عدم تضمين الدستور الجديد أي إشارة إلى الهوية الكردية والحكم الذاتي. وسوف يأخذ الدستور الجديد كأساس المساواة بين المواطنين وحقوق الإنسان.
9- تقوية السلطات المحلية واتخاذ القوانين الدولة أساسا في الحكم.
إذا تأملنا هذه الخطة الجديدة فلا أعتقد، نحن المتابعين للشأن التركي منذ ثلاثين سنة أنها تختلف بشيء عما كانت تقدمه الحكومات السابقة منذ انقلاب 1980. وهو ما يعتبر برأينا انقلابا خطيرا على روح الإصلاح التي رفعها حزب العدالة والتنمية وتنبئ بنذر سوداء في سماء العلاقات التركية الكردية.