إياد الدليمي

بينماسيجلس زعماء العرب اليوم في تلك القاعة الضخمة التي أعدت لقمتهم التي كان يفترض أنها ستعقد في بغداد، تكون في هذه الأثناء عاصمة الرشيد غائبة.. هي الوحيدة التي تغيب عن قمتها العربية، فإجراءات الحكومة العراقية شلت المدينة منذ عشرة أيام وقيدتها، وحولت حياة سكانها إلى جحيم.
ستغيب بغداد عن قمتها، بينما سيكون الجميع حضورا، ربما لن يسمعوا عن عمليات الاعتقال العشوائي التي طالت العديد من مدن العاصمة بغداد قبيل اجتماعهم الموقر، لم يسمعوا أن الحكومة، وبداعي توفير الأمن لضيوف القمة، قامت باعتقال المئات من الشباب، وأبلغت أهاليهم أنهم سوف يفرج عنهم بعد انتهاء القمة العربية، إذا مرت بسلام، أما إذا حصل شيء، فإنهم لن يعودوا.
لقد اجتهد قادة حكومة العراق بتوفير أفضل سبل الراحة للزعماء العرب، حتى إنهم قاموا بإعطاء إجازة طويلة لأهالي بغداد مدتها عشرة أيام متتالية، تخيلوا عشرة أيام بكاملها والحياة معطلة.
ليس ذلك فحسب، بل ومن باب توفير أفضل سبل الراحة للضيوف العرب قامت هذه الحكومة بمنح إجازة إجبارية لكافة العاملين بالفنادق التي سوف تنزلها الوفود العربية، وقامت حكومة المالكي باستدعاء أطقم خدمة فندقية من الجارة تركيا، وكأنها كانت تخشى أن يبدأ عمال الفنادق من أهالي بغداد بنقل الصورة laquo;الورديةraquo; التي يعيشون قبل القمة وأثناء انعقادها وطبعا بعدها أيضا.
ربما لم يسمع قادة العرب، أو ضيوف بغداد، أن هناك الآلاف من أصحاب الأعمال اليومية قد قطعت أرزاقهم منذ عشرة أيام بفعل الإجراءات التي طبقتها الحكومة تمهيدا للقمة العربية، وربما لا يعلم، أو يعلم، قادة العرب وممثلوهم، أن أسعار المواد الغذائية والخضراوات والفواكه قد وصلت إلى القمة، في ظل القمة، وباتت حياة أهالي العاصمة بغداد جحيما لا يطاق.
لقد فر مَن تمكن من أهالي العاصمة إلى محافظات أخرى حتى تنتهي هذه الغمة، وحتى يعود لبغداد بعض روتينها اليومي، بعيدا عن تعقيدات القمم وأهل القمم.
وليست بغداد وأهلها من غاب عن قمتها، وإنما أيضاً غابت مشاكل بغداد عن طاولة نقاش القادة العرب، فحكومة نوري المالكي ترفض أن تناقش الأزمات، وليس الأزمة العراقية، على جدول أعمال القمة، معتبرة أن الدستور العراقي، والديمقراطية العراقية، كما عبر عن ذلك أحد جهابذة ائتلاف المالكي، قادرة على حل هذه المشاكل الداخلية، علما أن عمر هذه المشاكل تجاوز الأربعة أعوام ولم تنجح ديمقراطية الجهبذ أو دستوره من حلها.
لقد تمنت بغداد وأهلها على جيرانها العرب، أن يكون لهم حضورهم القوي بين ظهرانيهم، وأن يداووا جراح عاصمة الرشيد التي تنزف منذ عقدين من الزمن، تمنت بغداد وأهلها أن يكون العرب حاضرين بقوة بينهم، وأن لا يتركوا الساحة لإيران وتركيا، غير أن العرب خذلوا بغداد وأهلها، تركوهم وحدهم يواجهون مصيرهم، بين قتل واحتلال وتشريد وتعذيب واعتقال، بين جيوش احتلال وميليشيات وفرق موت وقاعدة وتكفيريين، تركوا بغداد وأهلها وحدهم، حتى عندما فكروا بالعودة، جاؤوا من بوابة حكومة طائفية تمارس الإقصاء والتهميش ضد كل من يقف بوجهها.
لا تعول بغداد وأهلها، مثلها مثل كل المدن العربية، على قمة الزعماء، حتى وإن كانت خلفية القمة، ثورات الربيع العربي، التي ما زالت تسعى لتكون ثورات كاملة، وهي تعيش أتون ثنائية الصراع بينها وبين الخارج الذي يسعى لإفشالها، وبينها وبين قوى داخلية ما زالت تراهن على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
لم نسمع في القمم الاثنين والعشرين الماضية أن هناك شيئا قد تحقق، فهي قمة، رفع عتب كما يقال، ومن هنا فلا يمكن أن نسمع شيئا إيجابيا سيخرج من تحت قباب بغداد.
المالكي وبعد مليار وربع المليار دولار التي صرفها من أجل القمة، سوف يشعر بالانتشاء، فلقد حقق، ما يعتقد أنه نصر سياسي، حتى وإن كان مستوى التمثيل في قمة بغداد دون المستوى المطلوب.
المالكي سيقول لخصومه هاهم العرب وقد جاؤوا إلى بغداد، واعترفوا بحكومتي، اعتراف ربما سيكلف أهالي بغداد وعددا من المدن العراقية الأخرى الكثير، الكثير جدا، اعتقالات أبشع ومداهمات أوسع، وتصفيات مختلفة، وسياسات إقصاء وتهميش أشد مرارة.
هل تعرفون لماذا إذن غابت بغداد عن قمتها؟