محمد جميح

ربما كان العنوان مستفزا إلى حد السخرية.. الأصل أن يكون العنوان كالتالي: من يحمي الشعبَ اليمني؟ أو: من يحمي اليمنَ؟ كي يكون جواب السؤال: الجيشُ اليمني بالطبع.

قتلت laquo;القاعدةraquo; يوم الاثنين 7 ndash; 5 - 2012 عشرات الجنود اليمنيين بالقرب من زنجبار عاصمة محافظة أبين، أكاد أقول، بدم بارد، في ردها على مقتل القيادي في التنظيم فهد القصع في ضربة جوية بطائرة أميركية من دون طيار بمحافظة شبوة. دفع الجنود اليمنيون حياتهم في انتقام laquo;القاعدةraquo; من الأميركيين على الطريقة القاعدية والحوثية في قتل اليمنيين خلال معاركهم ضد laquo;قوى الاستكبار العالمي، والحلف الصليبي اليهوديraquo;. وقبل ذلك، قتلت laquo;القاعدةraquo; العشرات في أبين ومأرب ولحج وحضرموت وغيرها، ناهيك بأسر ما يزيد على سبعين جنديا في المعارك الأخيرة حول laquo;لودرraquo; قبل أن يتم إطلاق سراحهم قبل أيام.

الجنود الذين قتلوا يوم الاثنين، لم تقتلهم laquo;القاعدةraquo;، بل قتلهم الذين أرسلوهم إلى هناك دون تدريب على مواجهة حروب العصابات، في الوقت الذي يحتفظون فيه بالقوات الخاصة، وقوات مكافحة الإرهاب في العاصمة صنعاء، حيث المحتجون العزل من السلاح. إذا سنحت لأحد فرصة السفر على الخطوط الطويلة التي تربط بين محافظات البلاد، فسوف يطالعه جنود في نقاط عسكرية على هذه الطرقات في قلب الصحراء، في ظروف معيشية تستدعي - دون مبالغة - تدخل منظمات حقوق الإنسان التي لا تعلم أن الجنود يظلون بلا مرتبات لمدة شهور طويلة.. يخرج الجندي من laquo;دشمةraquo; أو كوخ بائس ليس فيه أدنى درجات الحياة الكريمة ليفحص السيارات والمسافرين. أكاد أجزم أن الجنود في هذه الطرقات يعانون من أمراض ليس أكبرها الجوع المزمن وسوء التغذية، في الوقت الذي تتمتع فيه القيادات العسكرية في صنعاء وعدن وغيرها من المدن بعيش لا يخطر على البال. المجاعة التي يعيشها الجندي اليمني في الفلوات المترامية الأطراف، تجعله بلا عقيدة عسكرية. اللعب مع laquo;القاعدةraquo; الذي مارسته بعض القيادات العسكرية والأمنية (حسب تقارير غربية) جعل الجندي لا يحس بالأمن ولا يشعر بالولاء. لماذا ترسَل قوات غير مدربة لحرب laquo;القاعدةraquo; في أبين، وتبقى القوات التي صرفت عليها ملايين الدولارات في معسكراتها في صنعاء وحولها؟ laquo;القاعدةraquo; تحصد أرواح الجنود، والقيادات في صنعاء في خلاف على الكيفية التي يتم بها تسلم قيادة laquo;اللواء الثالث حرس جمهوريraquo; من طارق محمد إلى الحليلي. لو حدث مثل هذا الأمر في دولة يُحترم فيها الشرف العسكري لقدم قائد اللواء 115 استقالته، وقدم وزير الدفاع وربما رئيس الوزراء استقالاتهم.

غالبا أعود مرة بعد مرة لتشذيب مقالاتي بعد كتابتها حتى لا تكون عبارة عن انطباعات عابرة، ولأخلصها من بعض النتوءات الزائدة، والغضب المنفلت، غير أني أكتب اليوم بغضب، ودون تشذيب على غير العادة، وأريد لكلماتي أن تظل على غضبها، لأن ما حدث للجنود جريمة تتحملها وزارة الدفاع والحكومة قبل قيادة اللواء، التي كان عليها أن تتخذ احتياطاتها لعلمها بأن laquo;القاعدةraquo; سترد بعد مقتل قيادي بحجم القصع. أعلم بأن الظروف التي تمر بها البلاد صعبة، وأن وزارة الدفاع منشغلة بمهام لا أقلل من أهميتها، غير أنه لا شيء أهم من حياة الجندي في ميدان المعركة. ثم إن ما يحدث من قتل للجنود يسيء لسمعة الجيش اليمني في الداخل والخارج، حيث laquo;القاعدةraquo; في الداخل تزداد استهانة بالجيش، والعالم الخارجي يكرس الصورة النمطية عن الجيش الذي laquo;تعصف به الانقسامات، وتضعفه التوجهات السياسية لقادته العسكريينraquo;، وهذا يشجع عناصر من laquo;القاعدةraquo; في الخارج على التدفق إلى laquo;الخاصرة الرخوة، أو الملاذ الآمن، أو الدولة القريبة من الفشلraquo;، على حد تعبير الإعلام الغربي. ما الهيبة التي تبقى للجيش بعد أن تظهر صور مجنديه أسرى laquo;القاعدةraquo; أو الحوثيين؟ ما الذي يبقى للمؤسسة العسكرية إذا تجول المسلحون من كل اتجاه (laquo;قاعدةraquo;، حوثيون، قبليون) على عربات الجيش ودباباته، واستعملوا آلياته العسكرية وأسلحته الثقيلة التي استولوا عليها من المعسكرات بعد مهاجمتها، وقتل وأسر جنودها أو فرارهم؟

لا شك عندي في أن النظام السابق قد لعب بملف laquo;القاعدةraquo;، لكن ليس عندي شك اليوم بأن laquo;القاعدةraquo; أصبحت حقيقة قائمة، وأن الذين لا يزالون يذكرون بدور النظام السابق في دعم laquo;القاعدةraquo;، إنما يتهربون من مسؤولية مواجهتها.

لماذا لا يستجوب مجلس النواب الحكومة على خلفية عملية laquo;القاعدةraquo; يوم الاثنين؟ لماذا لا يضغط مجلس النواب على الحكومة ووزارة الدفاع لتقديم استراتيجية محددة للتعامل مع laquo;القاعدةraquo; في البلاد؟ لماذا لا يتم الكشف عن ملابسات فرار زعماء laquo;القاعدةraquo; من سجون الأمن السياسي في الماضي؟ لماذا لا يتم التحقيق في مزاعم تعامل مسؤولين أمنيين وعسكريين مع laquo;القاعدةraquo;؟ فإن كان ذلك حقيقة، فالكشف عن أسماء المتورطين بشكل علني - إن صعب توقيفهم - هو أقل ما يمكن، وإن ثبت أن القضية مجرد مزاعم، فسوف تخرس الألسن، وسوف يكون لزاما على النظام الجديد أن يتعامل مع laquo;القاعدةraquo; بعيدا عن نظرية المؤامرة التي تجد قبولا واسعا في أوساط اليمنيين.

لماذا لا يحقق مجلس النواب في حكاية laquo;الطائرات من دون طيارraquo; التي تنتهك السيادة اليمنية، وتؤدي إلى ردود فعل من مثل قتل العشرات من الجنود الذين تركوا بين مطرقة laquo;القاعدةraquo; وسندان هذه المخلوقات الفضائية الأميركية الغريبة، ناهيك بإهمال بعض القيادات العسكرية؟ بقي أن أشير إلى أنني جلست إلى مسؤول خليجي قبل فترة مهتم بالصراعات القائمة في اليمن، وقال كلاما كثيرا، ومن بين ما قال: laquo;الإخوة في اليمن يظنون أننا لا نعرف أن الحوثيين والخارجين على القانون في البلاد يحصلون على السلاح من مخازن الجيشraquo;. فهل تعي صنعاء أن الآخرين يعرفون.

الواقع أن الجيش بحاجة اليوم إلى حماية حتى يتمكن من القيام بدوره في حماية البلاد، وحمايته تكون أولا بمنع الاتجار بحروبه (كما حدث في حربه مع الحوثيين)، وبوضع استراتيجية واضحة في التعامل مع laquo;القاعدةraquo;، والكف عن اللعب بالنار في هذا الملف الخطير، وحشد الدعم الشعبي لمهمة الجيش، وجعل حياة الجندي وسلامته مقدمة على أي اعتبار آخر، والحوار مع laquo;أنصار الشريعةraquo; إن كان ذلك ممكنا.

لا حاجة للتذكير بأن المراوحة السياسية في البلاد تلقي بظلالها على الأوضاع الأمنية، وأن الجماعات المسلحة في البلاد تنشط مستغلة خلافات الساسة في صنعاء التي تتسبب في سفك المزيد من الدماء في بلاد شبعت دماء وصراخا وأشلاء.