عبد الرحمن الراشد

إذا كان الاتحاد الخليجي المقترح، والذي سيناقشه الزعماء الستة غدا في الرياض، يتضمن أيا من هذه النقائص فأنا بكل تأكيد أقف في الصف الآخر. ضد الاتحاد إذا كان يعني أن تلغي الكويت نظامها البرلماني ومفهوم المشاركة السياسية عبر الانتخاب لإرضاء السعودية أو الإمارات أو عمان. وبالتأكيد ضد الاتحاد إذا كانت البحرين أو دبي ملزمة بتطبيق أنظمة الكويت أو السعودية في تقييد الحريات الاجتماعية، فتمنع دور السينما أو السياحة أو الخدمة الفندقية. أو - وفي نفس السياق، سأكون ضد الاتحاد - إذا كان يعني ذلك منع المرأة القطرية من قيادة السيارة انسجاما مع الأنظمة السعودية. ولست مع اتحاد الدول الخليجية إذا كان يفرض عليها نمط تعليم واحدا. ولست مع اتحاد يساوي بين صحافة السعودية الأكثر حرية نسبيا مقارنة بصحافة قطر، ولا مع تقييد حرية الإعلام في الكويت لتكون مثل بقية الدول الخليجية التي هي أقل سقفا وحرية. وفي الوقت نفسه لا نريد أن تنتقل أمراض الكويت السياسية، من تحزبات قبلية وطائفية، إلى بقية دول الخليج. أيضا، لا نريد اتحادا ينقل النزاعات الطائفية في البحرين إلى الدول الخمس الأخرى.

ولا نريد اتحادا يلغي شخصية أي مجتمع خليجي، ولا ينتقص من حق أي دولة في اتخاذ ما تراه أصلح لمواطنيها، ولا أن تتدخل أي دولة في قرارات الدول الأعضاء. وبالتأكيد لا نتوقع أن يتدخل الاتحاد في شأنها السياسي الداخلي أو قراراتها السيادية. لقد طرحت كل هذه المخاوف على المشتغلين في مشروع الاتحاد الخليجي، وكانوا أمام كل سؤال يؤكدون على أن الاتحاد لا يقيد أي دولة أو يلزمها بقوانين الأخرى. البحرين ستحافظ على شخصيتها الاجتماعية، والكويت على تاريخها ومكاسبها السياسية، وسلطنة عمان على نظامها ومناهجها التعليمية، والإمارات بصيغتها الاتحادية. إذن لماذا الحرص على الانتقال إلى laquo;الاتحادraquo; وعدم القناعة بـlaquo;التعاونraquo;؟

السبب أن المسار التعاوني رغم عجزه في بعض الجوانب قطع مسافة جيدة ولم يعد بصيغته الحالية مجرد تعاون، فهناك تعاون بين الدول الأخرى ضمن اتفاقيات ثنائية إنما في الخليج الواقع اليوم هو أقرب إلى اتحاد، ولا يضير أحدا أن يسمى اتحادا بصيغته التي هو عليها حاليا. وأتصور أن كلمة اتحاد بذاتها تخيف بعض الخليجيين لأنها تعطي المفهوم الفيدرالي، مثل اتحاد الإمارات الذي هو منظومة دولة كاملة، أو الولايات المتحدة. والاتحاد بهذا المفهوم ليس مطروحا لأن الدول الأعضاء غير متوازنة في إمكانياتها، فالسعودية خمس مرات أكبر من الدولة الخليجية الثانية حجما، أي عمان؟ هذا جزء من حالة الفزع، أو التخويف، التي ثارت في عام 1981 عندما قام مجلس التعاون، والمفارقة أن أكثر من خاصمه هم المثقفون الكويتيون ظنا منهم أنه سيكون أوتوسترادا سريعا للجارة الكبرى السعودية للاستيلاء على بلدهم. وخلال ثلاثين عاما ثبت العكس تماما. صارت الكويت عبئا على السعودية بسبب غزو صدام وتهديدات إيران المستمرة. كان يقال، آنذاك، إن المجلس مخطط سعودي أميركي، لتظهر الأيام لاحقا أن أهم ثلاث قواعد أميركية ظهرت في قطر والكويت والبحرين لا السعودية. وكان أكثر ما يقال إن السعودية ستفرض نموذجها الديني المحافظ عليهم، لكن الكويت تأثرت بشكل أكبر بثورة إيران اجتماعيا، لا السعودية. أما لماذا التوجس من الاتحاد المقترح، عدا الهواجس السياسية والاجتماعية؟

أظن المشكلة في عدم وضوح الفكرة، وتحديدا في مصطلح الاتحاد الذي يوحي بالفيدرالية، مع أن المفهوم الذي طرحه الملك عبد الله بن عبد العزيز يماثل فكرة الاتحاد الأوروبي، أقرب إلى الكونفيدرالية لا الفيدرالية، وتضمنت دعوة الملك تأكيدا على أن الاتحاد لا يتدخل ولا ينتقص من سيادة الدول الأعضاء. وأنا أعتقد أن التعامل الإيجابي مع الفكرة سيدفعها نحو نظام مرن يساعد الدول على تجميع إيجابياتها والجوانب المشتركة بينها ولن يكون الاتحاد وسيلة لإخضاع نظام أو إلغاء هوية أو خصوصية أو تهميش طائفة أو دعم نظام شعب. للمتخوفين كل الحق في أن يعلنوا عن تفاصيل مخاوفهم، وأن يضعوا شروطهم ويجربوا اتحادا مشروطا كما يريدونه. فبريطانيا في الاتحاد الأوروبي قبلت بالاتحاد وتحفظت على بعض نشاطاته وأصبحت لاحقا من أهم الدول التي عززته نظاما ونشاطا دون أن تغير عملتها أو تنحني لقوانين الهجرة. وأخيرا، الاتحاد هو الخيار الأفضل للدول الخليجية الخمس، أما السعودية عرابة المشروع فهي أقل انتفاعا، وأنا أقدر الحساسيات والمخاوف التي ستثبت الأيام، كما أثبتت في الماضي، أنه اتحاد إيجابي يستحق التأييد بروح إيجابية.