شملان يوسف العيسى


يتميز عالمنا المعاصر في القرن الحادي والعشرين بالتعددية الثقافية التي أصبحت السمة الغالبة لمعظم دول العالم، ولا تخلو أية دولة من تعدد وتنوع السكان عرقيّاً وقوميّاً ودينيّاً ومذهبيّاً وإقليميّاً، حتى أصبح التجانس الثقافي شرطاً أساسيّاً لتحقيق الاستقرار السياسي، وتعتبر المصلحة الاقتصادية هي العامل الأساسي وراء وحدة الدول الأوروبية.

ماذا عن الأوضاع في الوطن العربي؟ وخصوصاً أن بعض دول هذه المنطقة قبل قدوم الثورات العربية كانت تسود فيها أنظمة استبدادية صادرت الحريات وحقوق الجميع من المواطنين بما فيهم الأقليات.
الآن وبعد الثورات العربية هل تحسن وضع الأقليات؟ وهل تملك الأنظمة الجديدة رؤى وتصورات لدى قادتها لكيفية التعامل مع الأقليات؟.. الغريب أن بلداناً متعددة الثقافات والقوميات والطوائف مثل العراق ومصر بدأنا نشهد فيها فتاوى دينية تحريضية ضد الأقليات، وقد ازداد التعصب والتطرف ليس ضد الأقليات فقط، بل امتد أيضاً ليشمل أبناء الطائفة الواحدة، مما دفع برئيس التيار الصدري مقتدى الصدر لاتهام رئيس الوزراء العراقي وزعيم ائتلاف quot;دولة القانونquot; والشريك في التحالف نوري المالكي بأنه يريد تشييع البلاد. وقد رد الصدر على سؤال وُجه إليه حول ذهابه إلى أربيل أخيراً للقاء رئيس وزراء إقليم كردستان مسعود برزاني والأطراف المعارضة للحكومة، فأجاب الصدر: quot;أوجه خطابي للأخ المالكي الذي جعل من حفظ التشييع هدفاً له، إن حفظ التشيع لا يكون إلا بحفظ العراق، وحفظ العراق لا يكون إلا بحفظ أطيافه، لا بحفظ أطراف في حكومته، لم تكن يوماً من الأيام السياسية ولا الحكومات هي الحافظة للتشيع، بل العقيدة محفوظة بمعصوميتها ونوابها وأعني مراجعنا العلياquot;.

من الأمور المؤسفة بعد الثورات العربية فشل الدولة في إثبات ذاتها وسيطرتها على الأمور، ففي ليبيا عادت حالة الصراع القبلي بعد سقوط القذافي، كما أن الثورة اليمنية عمّقت حالة الفشل في الدولة، فلم تعد الدولة قادرة على استعادة عافيتها ولا تزال مطالب أهل الجنوب في الانفصال موجودة.

والراهن أن الثورات العربي التي أطاحت بالأنظمة الاستبدادية ووعدت بالنظام الديمقراطي التعددي الحر وتعزيز كرامة الإنسان نجدها اليوم، بعد وصول جماعات الإسلام السياسي إلى السلطة التشريعية في أكثر من بلد عربي، تعاني من تفكك مجتمعاتها وبوادر الحروب الأهلية تبرز في أكثر من بلد، مما يجعل مصير الأقليات في وضع حرج ولا يدعو للتفاؤل بالمستقبل.. وخصوصاً أننا نرى بلداناً عربية تتمزق إلى أكثر من دولة أو إقليم والدليل على ذلك ما حصل في السودان والصومال والعراق وربما سوريا التي تشهد هذه الأيام شبه حرب أهلية مزقت النسيج الاجتماعي السوري وأدت إلى هجرة المسيحيين العرب من سوريا. ونفس الشيء يحصل في العراق ولبنان، حيث هاجرت معظم الكفاءات والعقول العربية عن بلدانها إلى الغرب بحثاً عن حياة مستقرة.. والأقلية الكردية في العراق تعيش في حالة شبه quot;استقلالquot; عن دولتهم ويطالب أكراد سوريا بوضع مماثل.

ثورات الربيع العربي الذي توقعنا أن يكون فرصة تاريخية أمام الأقليات للحصول على حقوق المواطنة من خلال أنظمة ديمقراطية تعددية، تحولت بعض قياداتها الإسلامية إلى قوى تتصارع على السلطة من أجل تحقيق مصالح حزبية ضيقة على حساب الوطن ووحدة جميع الطوائف فيه.