عبدالسلام اليمني


قَبّل الشاب رأس والدته مودعاً في رحلة يقصد بها منتدى الإعلام العربي الحادي عشر، لزمت الصمت برهةً ثم قالت وشفتاها تعبران عن مأساة الدوران والمعاناة الإعلامية التي يعيشها فلذة كبدها، إنك تناطح الضوضاء وعتمة الحواس وأخشى أن تنزلق إلى متاهة الإحباط وتعود في رحلة بحث عن الذات من جديد.

تبسم الأبن لكسر حالة الخوف التي تحيط بوالدته وقال وهو يقبل يدها أشعر بأجمل لحظات الحب وأستعيد أنفاسي كلما إستمعت لكلماتك الطاهرة، لكن أرجوك دعيني أُكمل ما بدأته من رحلة الممكن والمستحيل بما يكتنفها من عواصف الرغبة والشغف، وربما تُدمرها أقدار الواقع المعاكسة المترسخة في ثقافتنا العربية.

كانت الأم والأستاذة الجامعية المتقاعدة مسرورة ndash; بعد حالة إنقباض ndash; وهي تودع أبنها الذي أشعرها بإحساس يتجاوز دهاليز خوف ينتابها بين الحين والآخر من ثورة إجتماعية أحدثتها وسائل الإعلام الرقمية في خضم إضطرابات وتحولات تعصف بالمنطقة العربية ...،، (وحده إبني يعينني هكذا هي عاطفة الأمومة).

ركب الشاب الطائرة المتجهة إلى دبي، وانشغل في مقعده بغلق أجهزة إتصالات متنوعة بحوزته، وما بين التفاتة واخرى يلحظ ذاك التنوع في الركاب بين جيلين، شباب وشيوخ قضت الصدفة أن يكون غالبيتهم من المدعوين أو المسجلين لحضور فعاليات منتدى الإعلام العربي، وكان الإنشغال بقراءة الصحف الورقية أو من خلال فضاء الأنترنت دليل على فوارق الاستخدام أو التفكير والنظرة لحرية المستقبل الموعودة!.

وصل الشاب إلى الفندق الذي يحتضن فعاليات المنتدى، ولم تُفزعه تلك الحظوة التي تَميّز بها شيوخ الإعلام العربي المتربعون لعقود على عرش السلطة الرابعة، ولم يُشغله طويلاً ذاك السؤال العابر إلى عقله عن المستقبل الذي ينتظر صانعي الإعلام الإليكتروني الجديد، وهل سيشهد عالمنا العربي شيوخاً على نفس النسق للصحافة الإلكترونية؟، الإجابة كانت حاضرة في مشهد ردهات الفندق بعد نظرة عابرة لمستثمر إلكتروني من جيل شيوخ الصحافة الورقية تحيطه هالة من الإهتمام والبشر،، ... (السلطة متعددة الأوجه والقوى، ليس بالضرورة سياج أمني يُحددها)!!.

عَبَر بالشاب الشغف للمستقبل وتجاوز ثورة الأسئلة، وأنصرف إلى ترتيب برنامجه إستعداداً لبدء فعاليات المنتدى في اليوم التالي، ومكث وقت ليس بالقصير قبل النوم المبكر بمراجعة البرنامج والمتحدثون وورش العمل، وأعد لنفسه برنامجاً يُمَكّنه من تغطية أهدافه التي يحضر للمرة الأولى من أجلها.

استيقظ الساعة السادسة صباحاً وبدأ بتنفيذ برنامجه بدقة، وكان من أوائل المسجلين، والتقى بصديقيه بالقرب من قاعات ورش العمل الثلاث المقامة في توقيت متزامن، فحضر حسب الإتفاق فيما بينهم ورشة العمل الأولى quot;نجوم تويتر وصدى التغريدات، وحضر صاحبيه ورشتي العمل الثانية والثالثة، quot;الشباب العربي .. أما آن أوان ربيعهم الإعلاميquot; و quot;جيل الإعلام الإلكتروني، صحافيون بالفطرةquot;.

غَصّت قاعات ورش العمل بالحضور، وكان ما يزيد عن 80 في المائة هم من الشباب والشابات والنسبة المتبقية من الحرس الإعلامي القديم، كانوا يعرفون النجوم quot;التويتريونquot; وquot;الفيسبكيونquot; يصفقون لهم ويتفاعلون معهم وينقلون عبر المنصات الرقمية التي بحوزتهم كل ما يحدث داخل القاعة، أما جيل الإعلام الورقي، فمتسمرون في مقاعدهم يراقبون ndash; بإعجاب أو بحسرة - ما يحدث داخل القاعات؟!.

خرج الشبان الثلاثة من القاعات بعد ساعة وخمس عشرة دقيقة وكل منهم قد إستوعب ما حدث في ورش العمل من خلال منصات الإتصال الرقمية ولم يحتاج أي منهم إلى شرح وتفصيل لما طُرح، فيما إحتاج جيل quot;الخُطب والمانشتات وإستقبل وودّعquot; إلى وقت للتحليل والتعليق على ما حدث.

بعد استراحة قصيرة صاخبة ومكتظة بأعداد كثيرة، بدأت جلسات المنتدى الرئيسة على مدى يومين سيطر عليها النخب من المفكرين وشيوخ الإعلام العربي، إنكفأ الشباب إلى المقاعد الخلفية يرقبون مرحلة إنتقالية بين زمانين؛ جلد للذات وللزمان الأغبر الذي عاشه جيل وصفه العالم فاروق الباز بالفاشل، عندها دوت عاصفة من التصفيق، وتساءل الشاب لصديقيه، هل هو تصفيق للجيل الفاشل أم للإعتراف بالفشل؟!.

راكبوا الأحصنة الخشبية مثقفون ونخب شكلوا سياجاً إعلامياً كاذباً لأنظمة دكتاتورية، والمثقف الطاغية مماثل للحاكم الطاغية، وتزوجي مثقفاً إلى أن يأتيك رجلاً، وتمويل الحكومات للمؤسسات الإعلامية كيف يكون الحياد في عباءة التبعية ... إنفجر إعلامي مخضرم، إنها الموضوعية وليس الحياد وعلق هامساً محايد إعلامي، ألا يعرف صاحبنا أن الموضوعية حَمّالة سبعة أوجه!!، رفاهية تحليل وسائل إعلام الدول النفطية للثورات العربية، أهمية التسامح وتعزيز الحوار بين الأديان السماوية (عربة مبيعات الإعلام العربي)؛ وختم الشاب مُدَوّنته بتعليق جانبي لمفكر خليجي تجاوز عمره العقد السادس عندما سأله لماذا أنت جالس في الصفوف الخلفية، قال إن القيادة يجب أن تكون لهذا الجيل وبكل تواضع مكاننا خلف جيل يستحق أن يقود عملية التغيير، quot;إنهم يقودونناquot; بهذه العبارة نطق المفكر.بعد حفل الختام الذي وُزّعت فيه جوائز الصحافة العربية وبرز فيها بشكل لافت الإعلاميون المصريون الجدد، قضى الشاب ليلته الأخيرة يفكر في الشعار الذي حمله المنتدى 11، quot;الإعلام العربي: الإنكشاف والتحولquot;، وقال لصديقيه إنكشف أمامي من خلال ما ورد في المنتدى ثلاث إستنتاجات دونتُها عناوين للتقرير الذي سأقدمه لوالدتي، الاستنتاج الأول عنونته بـ quot;إرتباك صوت النخب رغم جلد الذاتquot;، والثاني بـ شيوخ الإعلام وغموض الصورة، والثالث: أمام الجيل الجديد مهمة صعبة ومستقبل شاقquot;، تداخل صاحبه المُصغي إليه باهتمام وقال أضيف مع التأييد لما ذكرت، هل ستستمر سياسة الترويض الخليجية للإعلام والإعلاميين العرب أم أنها لم تعد تُجدي نفعاً في مواجهة منصات صواريخ الإتصال الرقمية ... فكروا يا أهل الخليج!!.