محمد النغيمش

مما لفت انتباهي في حفل توزيع جائزة الصحافة العربية في دبي، الأسبوع الماضي، أن راعي الحفل الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لم ينبس ببنت شفة طوال مراسم تسليم الجوائز للمبدعين العرب، واكتفى بابتساماته ومصافحاته للفائزين وجعل كلا يقوم بدوره على خشبة المسرح.

عدت بذاكرتي إلى الوراء، فتذكرت أنه أيضا لم يفعل ذلك في الاحتفالات السابقة التي حضرتها، وفي غيرها مثل لحظات افتتاح برج خليفة، حيث لم يتحدث سوى بضع دقائق! وكأنه يريد أن يبهرن على أن laquo;الأفعال أبلغ من الأقوالraquo;، فهذه الناطحة السحابية الأكبر في الكرة الأرضية هي مبنى رمزي أو أيقونة كافية لتؤكد على أن هناك إمارة متطورة تتشكل في قلب الصحراء.

الشيخ محمد اشتهر بأنه قليل الكلام، وأكاد أجزم بأنه لو أن مسابقة إذاعية أجريت ببث مقطع صوتي له من دون صورة فلن يتمكن معظم المستمعين العرب من معرفة من المتحدث! غير أن عدم المقدرة على المعرفة نبرة صوت هذا القيادي البارز لا يعني أن ينكر منصف إنجازاته الكبيرة، فهو شق في صحراء دبي مدينة عصرية متنوعة الدخل استقطبت كبريات شركات العالم، وذلل لها إجراءات العمل الحكومية حتى صار تأسيس شركة أو بناء ناطحة سحاب أو مدرسة أو مستشفى مسألة لا يفصلها عن تحولها إلى مشروع على أرض الواقع سوى دراسة جدوى. وهذا كله جاء بهدوء وتخطيط بعيدا عن استعراضات الخطب الرنانة.

فضيلة الصمت عموما مهمة للقياديين، فكلما زادت فترات الصمت قلت أخطاء الإنسان لأن laquo;أكثر أخطاء المرء في لسانهraquo;. وlaquo;الصمت سياج الحكمةraquo;، كما تقول العرب، وصمت القيادي ليس بالضرورة دليلا على عدم مقدرته على الرد، فمن الصمت ما هو أبلغ من ألف كلمة. وحسن اختيار القيادي للحظات من الصمت تحفز آخرين على المشاركة والتحدث وإظهار أفكارهم أمامه، وهذا هو الفارق بين القيادي الحكيم والديكتاتور، حيث يحتكر الأخير النقاش ولا يريد أن يسمع سوى ما يود سماعه، فتكثر أخطاؤه ويتخبط لأنه يظن واهما أنه يحتكر الحكمة والمعرفة، ناسيا أن صمت القيادي جُنة (أي منجاة)، ولكن قليل فاعله.

عندما أكتب هذا المقال لا أقصد تزلفا ولا تملقا لشخصية عربية، لكنني أستجيب لنداءات بعض القراء ممن يطالبونني أحيانا بأن أضرب لهم أمثلة عربية لقياديين يعملون بصمت، لكن بصماتهم على أرض الواقع كبيرة، وهؤلاء تنطبق عليهم مقولة محمد بن راشد عندما قال: laquo;كثيرون يتكلمون ونحن ننجزraquo;.