حسن آل عامر


اعتاد الجميع أن المثقف العربي صاحب الحضور الشعبي هو ذلك المثقف أو المبدع الذي يتطرق في كتاباته وأعماله

اعتاد الجميع أن المثقف العربي صاحب الحضور الشعبي هو ذلك المثقف أو المبدع الذي يتطرق في كتاباته وأعماله الفنية إلى الصراع مع إسرائيل والغرب على وجه العموم، في اتجاه أقرب إلى النزعة الاشتراكية من جهة أو النزعة الدينية في الاتجاه الآخر، إضافة إلى quot;النضال السلميquot; في مجال حقوق الإنسان. وبالتالي فهذا المثقف سيكون في المحصلة في مواجهة مختلفة المستويات (حسب الظروف) مع السلطات السياسية، لأن طبيعة السياسة تستلزم السير في طرق متعرجة كثيرة لتجنب أي نفق مفاجئ يظهر في طريق السياسي أو في طريق مسيرة البلد بشكل عام، فلن يكون هناك بد من السير على حبال quot;الميكافيليةquot; والتبرير للنفس والمجتمع أنquot; الغاية تبرر الوسيلةquot;.
ومع ظهور ما سمي بـquot;الربيع العربيquot; كشف المشهد السياسي عن لاعبين جدد انتقلوا من فريق quot;المثقفينquot; المهزوم دائما بعشرات الضربات القاضية، إلى فريق quot;السياسيينquot; الفائز في كل المباريات اليومية بين الطرفين، ولذلك فهم في المحصلة النهائية انتقلوا إلى مواجهة حقيقية وصعبة مع أفكارهم وطروحاتهم، والأهم مبادئهم التي ستكون على محك كبير.
فهذا (المثقف/ السياسي) سيكون في تحدٍ مع حروفه التي ملأ بها الكتب والصحف ونثرها مئات المرات على المنابر، والتي كانت تصرخ في وجوه خصومهم في فريق السياسيين، بمبادئ الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان ومعاداة الدول التي كان يطلق عليها quot;الإمبرياليةquot;.
بالطبع هذه النماذج قد تنجح وبتميز في بلدان غير عربية، بسبب الطبيعة الثقافية والسياسية التي تسيّر الحياة اليومية هناك منذ مئات السنين، لكن في بلدان ما زالت تحاول تلمس قشور الثقافة العصرية، مثل البلدان العربية، فإن الأمر يبدو صعبا جدا، ليس لأن هذا (المثقف / السياسي) لا يريد تطبيق مبادئه quot;المكتوبةquot; على أرض الواقع بل لأن تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي تفرض عليه فرضا أن يكون مصافحا لـquot;إمبرياليquot; الأمس، متجنبا ولو بعض ما كان ينادي به من ثقافة المواجهة مع خصم الداخل قبل الخصم الخارجي، وإلا سيكون خارج اللعبة تماما، وفي هذه الحالة سيخسر الماضي والحاضر والمستقبل.
المذهل أن بعض القوى quot;السياسودينيةquot; كجماعة quot;الإخوانquot; في مصر فهمت هذه اللعبة مبكرا وأجادتها بشكل لافت، فكم من quot;مبدأquot; ضجت به المنابر أصبح الحديث فيه محظورا quot;حفاظا على المصلحة العامةquot; كما يقال.
والسؤال: بعد اقتحامهما عالم السياسية.. هل ينجح الدكتور برهان غليون والدكتور المنصف المرزوقي وهما المثقفان المعروفان، في إدارة اللعبة السياسية دون الخروج بخسائر كبيرة؟.. لا أعتقد. بل أجزم أنهما أصبحا طعما في فم حوت السياسة.