محمد السعدنى


اليوم يبدأ الصمت الانتخابي ايذانا بالعد التنازلي لأول انتخابات رئاسية بعد ثورة يناير لتبدأ البلاد مرحلة انتقالية جديدة ولكن في ظل رئيس من المفترض أن تحل معه الشرعية الدستورية محل الاضطرابات

التي سيطرت علي مجريات الأمور طوال الأربعة عشر شهرا الماضية التي يمكن أن نعتبرها علي سبيل المجاز والتخفيف الشرعية الثورية بما شملته من آلام أوجعت كل المصريين, وآمال لتعويض ما فات من
فرص للنهوض من جديد.
ومع اقتراب لحظة الحقيقة ولحسن الحظ فقد تراجعت تلك التهديدات بثورة ثانية صاحبت صخبا وضجيجا عن ادعاءات التزوير القادم في الانتخابات الرئاسية بعد أن فرض الواقع نفسه وألزم الجميع بضرورة وحتمية الاطمئنان الي جدية تأكيدات المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالتزامه باجراء انتخابات يشهد العالم علي نزاهتها وحيدتها وتؤكد الجدية في عزوفه عن الاستمرار في السلطة التي فرضت عليه فرضا حماية للثورة من القمع الدموي الذي كان يمكن للنظام السابق أن يمارسه لولا أن القوات المسلحة اختارت منذ اللحظات الأولي الانحياز بالكامل الي مطالب وطموحات شعبها في الحياة الحرة والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية.
تراجعت اذن نغمة الثورة الثانية تحت مزاعم وادعاءات التزوير بعد أن تداعت وسقطت كل الحجج وبعد أن أصبح مجرد ترديدها نوعا من العبث والرغبة في تعطيل العملية الديمقراطية لصالح أهداف ومصالح بعيدة كل البعد ثورة يناير.. فقد تأكد للجميع مدي التصميم علي خروج الانتخابات بأروع ما تكون العملية الديمقراطية, وأن تعلن النتائج أولا بأول في اللجان الفرعية وفي وجود مندوبي المرشحين وممثلي أكثر من50 منظمة حقوقية مصرية و22 مراقبا من مركز كارتر للسلام واكثر من950 مراسلا أجنبيا اضافة الي حشود رجال الاعلام والصحافة المصريين..
نعلم أن ميراثا من المرارة تجاه العمليات الانتخابية السابقة كان وراء هذه الادعاءات والمخاوف, وكان الحماس الزائد وعدم الثقة وراء التهديد باراقة الدماء اذا جاءت نتائج الانتخابات علي غير هوي البعض.. واذا كان ذلك لا يمنع بالطبع أن لتزوير ارادة الشعب أوجها أخري غير تلك التدخلات الفجة التي كان يمارسها النظام السابق علي المستوي الرسمي.. فمازال بيننا فلول من عهد وثقافة ما قبل ثورة يناير.. هؤلاء الفلول ليسوا فقط من الذين عملوا مع مبارك وضمن منظومة حكمه الفاسد ولكنهم ايضا اولئك الذين تتوغل داخل اعماقهم قيم وثقافة التزوير والتشكيك في كل شئ والتلاعب بالقانون واستغلال ثغراته وهناته والادعاء بما ليس صحيحا ضد منافسيهم وخصومهم والاسراف في اتهامات الخيانة والحشد الجماهيري بالمساعدات واستغلال الحاجة والفاقة والعوز والذين يخالفون قواعد ونظم العملية الانتخابية بتجميع البطاقات وحشد الغلابة في اتوبيسات والذهاب بهم الي التصويت الجماعي.
الفلول هم الذين سوف يلجأون الي البلطجية لتصفية حساباتهم مع الآخرين بنفس اسلوب الحزب الوطني, وهم الذين يمنعون انصار الخصوم من الدخول الي اللجان الانتخابية ويمارسون كل انواع المخالفات امام اللجان دون وازع من ضمير أو خوف من قانون أو عقاب.. هم الذين يفصلون القوانين تفصيلا لازاحة خصومهم من المنافسة, وهم الذين يدفعون بمحامين مغمورين لاقامة دعاوي أو تقديم طعون كان من شأنها تعطيل العملية الانتخابية لولا أنه لايزال في القضاء المصري قضاة يعرفون قيمة الوطن ومخاطر ما قد تسفر عنه مأسميناه سابقا بالفوضي القضائية.
الفلول هم الذين لا يرون علي الساحة السياسية غير أنفسهم وتنظيماتهم ولا يعترفون بالآخر, وهم الذين ركبوا علي اكتاف الثورة وساقوها الي حيث يريدون وليس الي حيث مصلحة الوطن, وهم الذين تخلوا عن سلمية الثورة وتحضرها ونموذجها الانساني الرائع وراحوا يكيلون الشتائم والردح والبذاءات بكل الوانها الي كل من يخالفهم الرأي بل والي المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي لولاه لكانوا جميعا قيد الاعتقال وتحت رحمة المحاكم العسكرية, وهم الذين لم يتشبعوا بعد بروح الثورة ومازالوا يفكرون بنفس أساليب ما قبلها, وهم الذين ينظرون دوما وراء ظهورهم في غضب ولا يعنيهم في شئ ان ينظروا الي الأمام في أمل واستبشار بأن الغد سيكون أفضل, وهم الذين يعتبرون كل من عمل مع مبارك فاسد ومجرم ويتجاهلون أن هناك سياسيين ومفكرين وكتابا ورجال اعمال ووزراء كانوا في الصف الصح ضمن هذا النظام ولكن لم يكن لديهم حول ولا قوة وحاولوا بقدر امكانهم الاصلاح وفشلوا.
الفلول هم الذين يعتبرون انفسهم الملائكة الاطهار في زمن مبارك رغم ان أيا منهم كان يتمني نظرة او ابتسامة من اي من رجال مبارك المقربين..
هم الذين مازالوا يتلقون الدعم المادي والمعنوي من جهات خارجية يهمها ان تعود مصر الي التقزم والتقوقع داخل حدودها مشغولة بهمومها المعيشية بعيدة عن دورها التقليدي الرائد في قيادة المنطقة.
الفلول هم الذين يغسلون أموالهم في مشروعات اعلامية فاشلة تسبح بحمد الممولين ولا تجرؤ علي تناول الأوضاع في بلدانهم بأي صيغة استنكارية..
وهم الذين يسعون الي تصفية المؤسسات القومية الصحفية بدلا من تقويتها وتقويمها علي غرار ماحدث من مؤامرات علي القطاع العام المفتري عليه..
هم الذين يتغنون بمصر ليلا ونهارا ويطعنون وحدتها الوطنية وأمنياتها في التقدم والتطور والتحضر من الخلف.. هم اولئك اصحاب دكاكين حقوق الانسان الذين ما ان حرموا من التمويل الأجنبي حتي تواروا عن الانظار بل لم يطالبوا بحقوقهم في متابعة الانتخابات ل أن التمويل قد أختفي, والدليل أن نحو53 جمعية حقوقية فقط هي التي تقدمت للحصول علي تصاريح لمتابعة الانتخابات الرئاسية في مقابل اكثر من500 جمعية ومنظمة في الانتخابات البرلمانية السابقة
الآن ونحن علي أعتاب جمهورية ثورة يناير علينا أن نرتفع الي مستوي الحدث والمسئولية خاصة أننا في أشد الحاجة الي الخروج من هذا النفق المظلم الذي طال كثيرا.. في حاجة الي رئيس يلملم شمل المصريين ويجمعهم تحت راية واحدة في ديموقراطية متعددة الأطياف تحترم الأغلبية ولا تقهر حق المعارضة وتؤمن بالتداول السلمي للسلطة.. اليوم نحن في حاجة الي رئيس لكل المصريين لا يفرق بين تيار وآخر ويعلم قيمة هذا الوطن ووزنه وتاريخه ودوره.
علي جميع المصريين باختلاف توجهاتهم أن يعترفوا بالرئيس القادم وأن يوقروه ويحترموه ماداموا قد تأكدوا أنه جاء نتيجة لكل الاجراءات الانتخابية السليمة والشفافة.. وحذار من محاولات اثارة الفوضي سواء في أثناء العملية الانتخابية أو بعدها, فانها لن تسفر الا عن تراجع خطير للثورة المصرية بعد أن تكون كل الخطوات اللازمة نحو تحقيق أهدافها قد تم انجازها نحو تأسيس الدولة المدنية دون تقدير أو عرفان من قبل بعض من الذين يريدون لمصر أن تكون تابعا ذليلا لأسيادهم في الشرق أو الغرب.