طه خليفة

أول كلمة قالها أحمد سرحان المتحدث الإعلامي باسم حملة أحمد شفيق لصحيفتي 'الغارديان' البريطانية و'نيويورك تايمز' الأمريكية بعد دخول شفيق الإعادة أن 'الثورة انتهت'.
هذه الكلمة الرصاصة يطلقها سرحان بكل دقة واطمئنان واقتناع، فالهدف إذن من وجود شفيق في انتخابات الرئاسة والوصول للسلطة هو تصفية الثورة أو ما تبقى منها.
هناك في السلطة الحاكمة من يقوم بتمهيد الطريق طوال أكثر من عام ونصف العام من أجل هذا اليوم الذي يحصد فيه مرشح عسكري مثل شفيق نتيجة 'شيطنة' الثورة وهي أصوات قطاع من المصريين الساخطين على الثورة بسبب الأضرار المعيشية والأمنية التي يواجهونها ليأتي رئيس على جسد الثورة ليشيعها إلى مثواها الأخير.
ترشح شفيق الجنرال السابق وتلميذ مبارك لم يكن صدفة ولم يكن قرارا شخصيا منه بل هو بتوجيه وإعداد وترتيب مسبق مثلما أن دفع الجنرال عمر سليمان للترشح هو الآخر في الساعة الأخيرة لم يكن صدفة أو استجابة منه لمناشدات أنصاره الذين اعتصموا أمام منزله إنما كان جزءا من الخطة ليقوم بدور وظيفي مرحلي وهو أن يتم سحبه في لحظة معينة لكن بصحبة اثنين من المرشحين الإسلاميين الكبار: خيرت الشاطر، وحازم صلاح أبو إسماعيل.
واضح أن كل ما يحدث في مصر منذ انتصار الثورة حتى اليوم من انفلات أمني وبؤس اقتصادي ومعيشي ومن بث الهلع العام ومن ضرب وحدة القوى الثورية - تلك القوى مسؤولة أيضا عن تفتتها وصراعاتها - ليس عفوا ولا عبثا وذلك لرسم خريطة وشكل النظام الجديد ليس وفق أهداف الثورة ولكن وفق الأهداف التي تعيد بناء نظام لا يختلف في الجوهر عن النظام القديم ولا يصطدم بقوى الخارج التي يهمها استمرار السيطرة على الأوضاع في مصر وضبطها في اتجاه معروف بما يحفظ المصالح الإقليمية لتلك القوى وعلى رأسها الحفاظ على أمن إسرائيل.
إنها خطط جهنمية حيكت بإحكام لمصادرة الثورة، فالجنرالات أذكى كثيرا مما كنا نتصور، وهم مدعومون بخبرات وعلوم ومعارف الأجهزة الأمنية في تنفيذ ذلك المخطط، وقد نجحوا في جعل قوى الثورة إسلامية وليبرالية ويسارية تنهمك مع بعضها البعض في صراعات عبثية، حتى والثورة تواجه التهديد بالنهاية وشفيق يخطو نحو القصر الرئاسي فإن الخصومة والتراشق مازالا قائما بينما في المقابل يقدم الفلول نموذجا في الوحدة على هدف واحد وهو دعم شفيق والتصويت له بكثافة وفعل المستحيل لإنجاحه لأن تلك هي اللحظة السانحة التي يجب اقتناصها للعودة إلى الحياة السياسية ومساعدة شفيق الرئيس في الإجهاز الكامل على الثورة وطي صفحة التغيير الجذري وإعادة إنتاج النظام القديم بوجه إصلاحي مزيف.
ألا تتعظ قوى الثورة وتلتقط هي الأخرى تلك اللحظة الفارقة في تاريخ مصر الثورة لنبذ خلافاتها التي ساهمت بجانب الخطط الذكية في تشويه الثورة لتتوحد كما كانت خلال الـ 18 يوما وتتفق على أجندة وطنية مدنية ديمقراطية للنظام الجديد وشكل الدولة وسلطاتها يلتزم بها الجميع لعبور هذه الفترة العصيبة التي تمر بها الثورة، فإما تحيا، وإما تنتهي كما تقول حملة شفيق.
هناك شخصيات من قوى غير إسلامية أعلنت فور تأكد الإعادة بين مرسي وشفيق أنهم يدعمون مرسي بشكل مطلق لحماية الثورة في مواجهة غطرسة رجال مبارك بقيادة أحمد شفيق الذي لم يكن لائقا له ممارسة أي دور سياسي بعد أن خرج من رئاسة الحكومة مطرودا وبعد أن أهانه على الهواء وأمام الملايين الدكتور علاء الأسواني في لقاء تليفزيوني شهير، والإهانة الأحدث كانت عند إدلائه بصوته الثلاثاء الماضي حيث قذفه عدد من الشباب بالأحذية، وبين الحادثتين تعرض لإهانات أخرى عديدة فكيف يكون رئيسا وهو يجر أذيال الإهانة معه إلى القصر؟
لم يكن لائقا كذلك لشفيق الحق في ممارسة دور سياسي لأنه مسؤول عن الدماء التي سالت في موقعة الجمل فقد كان رئيسا للوزراء أثناء المجزرة ثم خرج يتهكم على الشهداء وعلى الثورة ولم يشمله التحقيق وهو متهم بأنه كان يشرف على وقائع تلك الجريمة بنفسه، فكم من المجازر سترتكب إذا فاز بالرئاسة وعاد رجال الحزب الوطني المنحل لينتقموا؟
شفيق يثبت أنه متسق مع نفسه عندما تقول حملته إن دخوله الإعادة يعني أن الثورة انتهت، أي أن فوزه صار قريبا - ويمكن أن يفوز فعلا- إذا ظل معسكر الثورة متناحرا غير متوافق ذلك أنه لم يقل يوما إنه مع الثورة بل قال هي ليست ثورة ولا يمكن تسميتها ثورة، ودعك من تكرار كلمة ثورة على لسانه الفترة الأخيرة فهي مجرد دعاية انتخابية ومحاولة لجذب الأصوات والاقتراب من الشباب.
فهل تتأكد مقولة حملة شفيق؟... الإجابة متروكة للشعب المصري بعد أقل من شهر؟!.