سوريا: حتى التلفاز الرسمي قال الحقيقة.. هذه ايام غير عادية.. والمجتمع الدولي لم يعد دوره مهما

عملاء موساد على الحدود مع سورية.. وسي اي ايه يدعمون المعارضة ويراقبون تحركات القاعدة وعينهم على الترسانة الكيماوية

لندن

هل هي النهاية اذا، والى اين تسير سورية، هل انتهى فعلا نظام بشار الاسد، بعد ان خسر عقوله التي كانت تخطط للامساك بالوضع والقضاء على المقاومة المندلعة منذ اكثر من 16 شهرا، ما هو سر التفجير الغامض، هل كان انفجارا، تفجيرا، او تطهيرا، اسئلة كثيرة وغيرها طرحتها الصحافة العالمية ولكن المشترك فيها هي ان النهاية للنظام الحاكم ولحكم الطائفة العلوية التي تحكم سورية منذ اربعين عاما او اكثر في الطريق للنهاية.
وكما هي العادة تتساءل معظم التعليقات عن طبيعة النهاية وشكلها، هل ستكون دموية ام انهيارا في داخل النظام، ام هربا على شاكلة الذين هربوا من الحكام العرب، بالتأكيد لا يستبعد احد حمامات دم وعمليات انتقام، فالضربة في قلب النظام ايا كان منفذها وطريقة تنفيذها تعتبر تحولا مهما في مسار الثورة السورية التي قتل فيها حتى الآن اكثر من 14 الف شخص على اقل التقديرات.

ليست ستالينغراد ولكن

وفي هذا السياق يرى روبرت فيسك في 'اندبندنت' ان التفجيرات ليست 'ستالينغراد' النظام السوري ولكن مخالب الثورة تحركت الآن لتنهش قلب النظام. ويقول ان حقدا كان كامنا لان ينفذ هذا العمل الوحشي ضد الحكومة السورية، مشيرا الى انه مشى قبل ثمانية اشهر قريبا من المؤسسة الامنية التي حدث فيها التفجير. وفي ذلك الوقت اخبره صديق سوري ان هناك تعذيبا يحدث في الطوابق الارضية لا تريد ان تعرف عنه، وبالتأكيد فان اي شخص سيخرج منه سالما سيكون سعيدا بقتل معذبيه علاوة على رئيس الجلادين.
واضاف انه ليس مستغربا ان يختار النظام وزير دفاع جديد هو فهد جاسم الفريج، احد مواطني مدينة حماة التي دمرها والد بشار عام 1982. ويقول ان الاب حافظ ظل خائفا حتى اللحظة الاخيرة من حياته ان ينفجر العنف في سورية عندما كان يشاهد تفكك يوغسلافيا القديمة والحرب الاهلية فيها، ويرى الذبح الذي مارسه حلفاؤه في الجزائر في التسعينات من القرن الماضي قائلا ان سورية اليوم هي نفس البوسنة وكرواتيا وصربيا في نهاية القرن الماضي. وتساءل عن خيارات بشار الآن، هل سيهرب؟ وان قرر الهرب فمن سيقوده للمطار سيكون عسكريا برتبة عميد، علوي مثله، فهل سيسمح هذا الاخير له بالهروب'، ويقول ان الحديث هذا مثير للكآبة لكن ما يمكن قوله ان الاسد سيتمسك بالسلطة اكثر من توقعاتنا، ولن يهرب، فالفرقة الرابعة التي يقودها شقيقه ماهر هي امر آخر، وستظل الدبابات في شوارع دمشق المدينة العتيقة، واصوات الرصاص تسمع في كل مكان، ويختم بالقول هذه ايام غير مسبوقة، قائلا لماذا ولعدة مرات، حتى التلفاز السوري الرسمي اجبر على قول الحقيقة، المحلفون لا يزالون يتناقشون ولم يصدروا الحكم بعد.
حيرة من روسيا

حدث كهذا لم يكن ليفوت على كتاب الافتتاحيات في الصحف، حتى صحيفة 'نيويورك تايمز' التي لم تخصص للشأن السوري الا قليلا من افتتاحياتها وكثيرا من تقاريرها اجبرت وبسبب الحديث الكبير على كتابة افتتاحية تحت عنوان ' اغتيال في دمشق'، مشيرة الى ان الحرب الدموية التي شنها الاسد على شعبه منذ شهور قد وصلت عميقا الى القلب. واشارت الى التقارير المتضاربة حول العملية بين النظام والمعارضة، ومع انها لا توافق على التكتيكات الا انه من الصعب اعتبار القتل نقطة تحول في الحرب السورية، فعلى الرغم من ان المقاومة المسلحة تحقق نجاحات على الارض الا انه لا توجد اية اشارات على استعداد الاسد للتخلي عن السلطة. وقالت ان بشار اثبت انه اكثر وحشية من والده في ضرب معارضيه. وما يبدو واضحا الآن ان اي حل دبلوماسي للازمة الذي تحاول الولايات المتحدة والمجتمع الدولي التوصل اليه يتلاشى الآن بسبب العناد الروسي.
وقالت ان كل واحد يجب ان يقلق خاصة السوريين الذين قاتلوا في الحرب ومن تلاحقهم دبابات النظام. وتحدثت عن العقوبات التي فرضت على النظام من الادارة الامريكية والاتحاد الاوروبي والتي تركت اثرا عليه لكنه سيكون اشد لو جاءت من الامم المتحدة. وتقول ان روسيا وافقت على خطة السلام التي قدمها كوفي عنان لكنها تعارض اية عقوبات خشية من تكرار الدرس الليبي، مع ان الناتو عبر عن موقفه من انه لا يريد التورط في حرب في سورية، ولا تزال موسكو تدعم اسراف الاسد في القتل بدعمه بالسلاح خاصة المروحيات. وركزت على الموقف الروسي الذي قالت انها لا تستطيع فهمه وان كان يصب في صالح الشعب السوري والامن الاقليمي، قائلة انه بدلا من الثبات على موقفهم في الدفاع عن قضية خاسرة فانهم سيكونون اكثر نفعا في التوصل لحل دبلوماسي.

القاعدة الشعبية تتقلص

في اتجاه اخر قالت 'اندبندنت' ان مد الحرب قد تغير في سورية. وقالت انه على الرغم من اللهجة المتحدية في التلفزيون الرسمي عن صلابة الحكومة والجيش والشعب الا ان الحقيقة تقول ان السلطة تتسرب من اصابع النظام المدماة. وتقول انه لا يهم ما قالته المعارضة المنقسمة على نفسها حول المسؤول عن التفجير لكنه مجرد تفجيره في مقر مهم وقتل قريب للرئيس يظهر ان النظام لم يعد منيعا وغير قادر حتى على حماية نفسه.
وتعتقد ان التفجير يعتبر دفعة معنوية للمعارضة التي ظلت تعاني من هجوم النظام بعد مذبحة تريمسة، وتنتهك خطة كوفي عنان، لكن ما ستتركه العملية هذه هي ان الدعم الذي لا يزال النظام يحتفظ به بين الشعب السوري سيذوب تدريجيا وعندها ستكون بداية النهاية. وتعتقد ان جهود فرض العقوبات على سورية والنقاش حولها في الامم المتحدة والموقف الروسي والصيني منها لم يعد مهما، لان تطور الاحداث في سورية يجرد المجتمع الدولي من القدرة على الرد. وتختم بالقول انه في ظل عزم الجيش على الانتقام فالوضع مخيف ولكن اكثر خوفا للرئيس.

دم ومذابح جديدة

'الغارديان' ترى ان ذبح القادة يعتبر ضربة قاصمة في قلب النظام، واضافت ان التطورين الهامين في الثورة هما استمرار القتال في دمشق مما يعني ان الجيش الحر قادر على الصمود لمدة طويلة والامر الثاني هو استهداف الحرب الرئيس شخصيا لان الهجوم لم يكن في العاصمة ولكن في قلب الآلة الامنية للنظام. وقالت ان النظام اعلن عن بديل عن وزير الدفاع المقتول من اجل اثبات قوته وهو الذي يحتكر القوة الجوية والبرية وانه قادر على البقاء وانه ليس في مزاج لرفع الراية البيضاء، مشيرة ان الحقيقة القاتمة بالنسبة للشعب السوري هي ان دما جديدا سينزف. كل هذا والنظام يقف امام حقائق لا يمكنه انكارها، وهي انتقال الحرب الى دمشق التي كان سكانها ينظرون لحرب الشوارع في حمص وكأنها من بلد اخر، فقد استمرت المعارك التي قالت تقارير انها اقتربت من القصر الجمهوري حتى بعد التفجير. وتقول الصحيفة ان النظام لا يزال يحتفظ بقاعدة صغيرة من الدعم لكن تصاعد الطائفية ستؤدي الى وقوف العلويين وراء النظام، ولكن القاعدة التي يعتمد عليها النظام من الاكراد والمسيحيين وبقية الاقليات تتقلص خاصة ان عمليات الانشقاق تزايدت، مشيرة الى انشقاق نواف الفارس ومناف طلاس.
ومع ترحيب سكان دمشق بالعملية والحديث عن الانتقام فان هناك احساسا عاما ان عصبة النظام قد حشرت الآن في الزاوية. وتقول ان الدبلوماسية لم تعد قادرة على مواكبة الاحداث ولم تستبعد ان تقوم روسيا التي لم تغير موقفها بعد وطالبت بمعاقبة 'الارهابيين' والتي تحاول حماية مصالحها العسكرية ان تغير موقفها. ومع انه لا احد يمكنه اعتبار ما حدث الاربعاء نقطة الحسم لكن الاحداث تتحرك وان المشهد الاخير لهذه المسرحية المأساوية اقترب اكثر مما كنا نتوقع.

اوباما الاناني

على خلاف بقية الصحف انتقدت 'ديلي تلغراف' موقف باراك اوباما من الازمة حيث عبرت عن مخاوفها من تأجيله اي انخراط في سورية الى ما بعد الانتخابات الرئاسية. واشارت الى طريقة تعامل التلفزيون الرسمي مع الحدث حيث انه كان على غير العادة حساسا، ولكنها اشارت الى ان الظروف الغامضة للقتل تطرح اسئلة ان كانت هناك عملية تصفية ام ضحية لصراع على السلطة، خاصة ان تقارير تحدثت عن عملية انشقاق.
وتقول ايا كان الامر فالتوصل للحقيقة في سورية امر صعب، وتوافق الصحيفة بقية التحليلات ان ايام الطائفة العلوية في الحكم صارت معدودة، فمحاولات قمع الانتفاضة باليد الحديدية فشلت، كما ان النخب السنية في الجيش تتخلى عن النظام وسيتبعهم آخرون، ولكن الاخبار غير السارة هي ان النظام لن ينتهي بدون قتال ومجازر. وترى انه لم يعد هناك اي حل للازمة ما دام الاسد وازلامه في السلطة، وما يجب على الغرب فعله وجيران سورية هو السيطرة على الفوضى التي ستنشأ بعد رحيل النظام، وسيكون لروسيا دور تلعبه وكذا امريكا التي لا يزال موقف رئيسها اوباما مثيرا للقلق اذ انه يريد تأجيل اي انخراط في الشأن السوري الى ما بعد الانتخابات. لكن تردي الوضع يجعل من الواجب على امريكا ان لا تتخلى عن واجباتها، لانها فقط تريد ان تتناسب مع الجدول الانتخابي المحلي.

الانتقال المنظم للسلطة وخيارات واشنطن

والى هذا السيناريو اشار ديفيد اغناطيوس في 'واشنطن بوست' حيث قال ان الولايات المتحدة تحاول ان تتجنب فراغا مثلما حدث في العراق بعد الغزو. وقال اغناطيوس ان اوباما يطمح لان يحقق 'انتقالا يمكن السيطرة عليه' يقوم على الاطاحة بالاسد وفي الوقت نفسه الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية. ويقول ان الحاجة لحماية وتأمين الترسانة الكيماوية هي السبب وراء سعي واشنطن تحقيق نقل للسلطة منظم تعمل من خلاله المعارضة مع العناصر المقبولة من النظام الحالي. ويبدو ان هذا التعامل هو ما اغضب الكثير من المتشددين في المعارضة الذين ارادوا قطع رأس النظام يوم الاربعاء.
ويقول ان الولايات المتحدة تصف سورية بانها نسخة مشرقية عن 'الغرب المتوحش' وفي ظل هذا الوضع فان كل وكالة امنية غربية تحاول البحث وقراءة من هي المعارضة وطبيعة قيادتها حسب مسؤول نقل عنه. وقال ان عملاء سي اي ايه يعملون منذ اسابيع مع المعارضة السورية في جنوب تركيا لمساعدتهم في استخدام اسلحة غير قاتلة كما ان عددا من عملاء الموساد الاسرائيليين يعملون على الحدود مع سورية مع انهم يحاولون عدم الظهور. ويقول ان اهم اربع نقاط للعبور الى سورية هي تركيا والاردن حليفتا امريكا، فيما يعتبر كل من لبنان والعراق معبرا للحرب الطائفية. ولكن السؤال الاهم هو عن قوة القاعدة وحلفائها في سورية. وفي الوقت الذي تعتبر فيه القاعدة عاملا مقلقا لامريكا الا ان المعارضة تعد بان تقتلع جذورها من سورية بعد الاطاحة بالاسد، مشيرا الى ان هذه تأكيدات تشبه ما تم بين الصحوات السنية في العراق والجنرال ديفيد بترايوس. ويقول ان رسالة امريكا للمعارضة هي ضرورة التأكيد للاقليات انه سيكون لها دور هام في العملية السياسية والحفاظ على حقوقها، وحتى الآن لم تتلق امريكا الا وعودا. اما بالنسبة للاسلحة الكيماوية فامريكا امامها خياران هما منع الاسد من استخدامها ومنع وقوعها في ايدي المتطرفين، مشيرا الى ان ليبيا تقدم نموذجا جيدا، حيث ساعد عملاء سي اي ايه المقاتلين الليبيين على تأمين ترسانة الاسلحة الكيماوية في ودان، كما ساعدت سي اي ايه الحكومة الليبية الجديدة على اقامة اتصالات مع رموز من النظام السابق ممن لديهم معرفة بالاسلحة. وقد اكتشفت سي اي ايه ان النظام استورد قنابل كيماوية ـ ربما من ايران ـ خبأها في سبها. ويختم بالقول ان سورية مهيأة الآن لعنف اكثر ومن اجل ذلك فواشنطن مطالبة بمنع حدوث العنف الطائفي وعدم انتقال العدوى الى خارج حدود سورية. ويقول ان الوضع بات خارج حدود التعاون الدولي.
ضربة للنظام وبداية لحمام دم

وفي النهاية ترى كل التقارير ان الاغتيال ضربة قوية حيث نقلت 'لوس انجليس تايمز' عن مسؤول قوله ان آصف شوكت كان رجلا متنفذا وان كان الجيش الحر قادرا على الوصول في دمشق فسيكون هذا مؤثرا على كل مسؤول كبير في النظام. ويجمع كل المعلقين على ان النهاية قد اقتربت ولكنها ستكون محملة بالالام والعنف. ولعل غموض الحادث يلقي بكاهله على التحليلات حيث نقلت 'الغارديان' عن محلل في الشأن السوري قوله ان الجنرالات ربما كانوا يحضرون لانقلاب او ان عملية امنية قد حدثت' اي تصفية.
وتقول 'ديلي تلغراف' انه ايا كانت حقيقة ما حدث فهي تؤكد من مصداقية المعارضة كحركة تمرد قوية. ويتساءل محللون عمن سيحل محل قادة لا يعوضون بالنسبة للنظام، مما يؤشر الى ازمته وقرب نهايته. والسؤال هل سيرتد هجوم الاربعاء سلبا على المقاومة من خلال استفزاز شراسة النظام وقوته قبل موته ام لا؟ سؤال ستجيب عليه الايام المقبلة