Lee Smith

يصعب أن نصدّق أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوة العسكرية لتدمير برنامج إيران النووي حتى لو لم يحصل ذلك من خلال حملة واحدة، إذ يكفي شن سلسلة من الحملات لضمان عدم حصول طهران على القنبلة.
خلال مؤتمر أمني كبير في تل أبيب في أواخر شهر مايو، طمأنت المسؤولة السابقة في البنتاغون، ميشيل فلورنوي، الرأي العام الإسرائيلي إلى أن الضربة العسكرية ضد إيران لا تزال خياراً مطروحاً، ولكنها سارعت إلى التأكيد أن ldquo;أي ضربة عسكرية ستؤدي حصراً إلى تأخير برنامج إيران النووي لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات حتى لو تكللت العملية بأقصى درجات النجاحrdquo;.
لم تعد هذه المهلة الزمنية التي تتراوح بين سنة وثلاث سنوات مجرد تقدير زمني عابر، فخلال السنوات الأخيرة، عمد وزير الدفاع ليون بانيتا، وسلفه روبرت غيتس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة السابق مايك مولن، ومسؤولون آخرون، إلى تكرار هذه العبارة نفسها خلال المؤتمرات الصحافية وفي المنظمات الاستراتيجية لدرجة أنها أصبحت فكرة شائعة.
لكن هل يمكن تأكيد صحة تلك النظرية؟ يصعب أن نصدّق أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوة العسكرية لتدمير برنامج إيران النووي حتى لو لم يحصل ذلك من خلال حملة واحدة، إذ يكفي شن سلسلة من الحملات لضمان عدم حصول طهران على القنبلة.
قال الجنرال جاك كين، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق في الجيش الأميركي: ldquo;لطالما شعرتُ بأن ذلك الإطار الزمني محصور جداً. أظن أننا إذا أقدمنا على تحرك مدمّر وقضينا على أهم مواقعهم، تزامناً مع التخلص من مهندسيهم وعلمائهم، فستدوم الانتكاسة لأكثر من خمس سنوات، أنا لا أحب المبالغة في تحليل دوافع الناس، لكن عندما نقرر عدم القيام بأي شيء، غالباً ما نبرر موقفنا بصعوبة تحمّل العواقب أو باعتبار أن النتائج المنشودة لا تستحق العناءrdquo;.
أوضح الجنرال مايكل هايدن الذي كان يعمل سابقاً في وكالة الاستخبارات المركزية أن التقييم الذي يؤكد إمكانية تأجيل برنامج إيران حصراً انتشر خلال عهد جورج بوش الابن. يصعب ألا نستنتج أن ذلك التقييم كان ناجماً عن حسابات سياسية معينة: بما أن بوش ما كان يستطيع خوض صراع ثالث في الشرق الأوسط، كان من المناسب ادعاء أن الضربة العسكرية لن تُحدث أي فرق.
في المقابل، انسحبت إدارة أوباما من العراق حديثاً وستنسحب من أفغانستان قريباً، لكن يصر البيت الأبيض على تكرار الادعاء نفسه باحتمال تأجيل البرنامج النووي لبضع سنوات في أفضل الأحوال. مثلما كانت السياسة وراء إصرار البيت الأبيض في عهد بوش على فكرة تأخير البرنامج بدل تدميره، يبدو أن سياسة من نوع آخر توجّه البيت الأبيض راهناً: تخوض هذه الإدارة حملة دبلوماسية عامة بهدف إضعاف إمكانات الاعتداء الأميركي لأن الإدارة لا تنوي شن أي ضربة.
أخبرني مسؤول سابق في البنتاغون: ldquo;من المألوف أن يضخّم مسؤولون في الجيش حجم المصاعب لتجنب معالجتها. قد يعكس هذا التقييم فكرة أن الجيش لا يرغب في التورط في مكان آخر من الشرق الأوسط إذا لم يضطر إلى ذلك. عملياً، لا أحد يعلم فترة انتكاسة البرنامج الإيراني بسبب الضربة العسكريةrdquo;.
أوضح المسؤول أن جزءاً من ذلك التقييم الذي يصف تأخير البرنامج النووي يرتكز على واقع أن المنشآت النووية منتشرة في أنحاء إيران وتوجد تحت الأرض على مسافة تفوق عمق مفاعل أوزيراك في العراق ومفاعل الكِبَر في سورية، علماً أن إسرائيل نجحت في تدمير الموقعين بالكامل خلال يوم واحد. لكن قد تدوم العملية ضد إيران شهراً كاملاً. ثم تبرز فكرة استحالة نسف المهارات العلمية التي أنتجت ذلك البرنامج، لكن ذكر المسؤول السابق حملة الاغتيالات ضد العلماء النوويين الإيرانيين قائلاً: ldquo;يمكن قتل عدد هائل منهمrdquo;.
أخبرني كريستوفر فورد، مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية كان متخصصاً في شؤون الانتشار النووي، أن الأدلة التي ارتكز عليها ذلك التقييم النموذجي تقوم على ثغرات متنوعة: ldquo;تتعدد الفرضيات المبنية على فكرة تأجيل البرنامج لبضع سنوات. على سبيل المثال، صحيح أننا نستطيع لدرجة معينة التخلص من المهارات العلمية، لكن لا يُعتبر العلماء النوويون الحلقة المهمة الوحيدة في البرنامج. ثمة رأسمال بشري آخر يمكن أن يكون هدفاً لعملية التدمير أيضاً مثل بعض الخبراء الصغار في علم المعادن. لا يعمل هؤلاء على الخطط المتطورة من البرنامج النووي لكن لا غنى عنهم في مسار البرنامجrdquo;.
لكن لا يدرك المسؤولون في إدارة أوباما أياً من ذلك، بل يصر كبار المسؤولين الاستخباريين والعسكريين، مثل مدير الاستخبارات النووية جيمس كلابر والأدميرال مولن، على أن العملية العسكرية ستتمكن حصراً من تأخير برنامج الإيرانيين لفترة محدودة. يظن الجنرال المتقاعد كين أن البيت الأبيض ليس مستعداً لشن أي ضربة حتى لو ادعى أنه لن يسمح لإيران بالحصول على قنبلة. يوضح كين: ldquo;لا أظن أن هذه الإدارة لديها أي نية بمهاجمة إيران في أي وقت من الأوقات. أنا لا أصدق ذلك والإسرائيليون والإيرانيون لا يصدقون ذلكrdquo;.
لكن لا يوافقهم الرأي عوزي أراد، المستشار الأمني السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: ldquo;أنا لا أنتمي إلى معسكر المشككين الذين لا يثقون بقدرة الرئيس على التحرك عند الاقتضاء. لأسباب متعلقة بالأمن القومي الأميركي والمصالح الاقتصادية وقناعته المتعلقة بالانتشار النووي، أظن أن الرئيس يدرك أنه ملزم باتخاذ تحرك جذري إذا فشلت جميع التدابير الأخرى بمنع إيران من التسلح نووياًrdquo;.
لا يرى أراد أي تناقض في سياسة أوباما المعلنة (لا تستطيع إيران الحصول على قنبلة) وتحذيراته (سيؤدي أي اعتداء إلى تأخير البرنامج النووي حصراً). أوضح أراد: ldquo;أعلن الرئيس أن الولايات المتحدة مصممة على منع إيران من تطوير أو كسب أي أسلحة نووية. بالتالي، لا يمكن أن يعلن الجيش الأميركي ما يلي: ldquo;يمكن أن نشن الاعتداء لكن لا يمكن أن نحقق هدفناrdquo;. تفترض الفكرة المتعلقة بتأخير البرنامج النووي لبضع سنوات حصول ضربة واحدة، ولكنّ هذا الخيار الأميركي ليس منطقياً إذ لا بد من شن اعتداءات متكررة إذا استأنف الإيرانيون برنامجهم. من غير المنطقي أن نفترض أنّ الولايات المتحدة لن تحرّك ساكناً وستترك إيران تعيد بناء إمكاناتها بعد شن تلك الضربات. إذا أطلقت الولايات المتحدة تلك العملية، يجب أن يشمل موقفها ما يلي: ldquo;أيها الإيرانيون الأعزاء، لا تستأنفوا تطوير البرنامج وإلا سنضربكم مجدداً!rdquo;.
أشار فورد، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، إلى وجود عدد من المتغيرات التي يمكن أن تؤثر في قدرة إيران على إعادة تصنيع برنامجها النووي في حال شن ضربة أميركية: ldquo;إذا كنا نتكلم حصراً عن مختلف المنشآت النووية وعن قصف تلك المواقع دفعةً واحدة، تكون المقاربة المطبّقة مباشرة: ما هي المدة اللازمة لإعادة بناء تلك المنشآت؟ لكن ستتغير تلك التقديرات بسبب مجموعة من الظروف المختلفة. على سبيل المثال، هل ستستمر العقوبات على إيران بعد الاعتداء؟ ستتغير جميع الحسابات في تلك الحالةrdquo;. يعتبر فورد أن دفاعات إيران الجوية هي عامل متغير أساسي: ldquo;عند السعي إلى تطوير البرنامج النووي، يجب معرفة طريقة دفاعهم عن أنفسهم. عند النجاح في إضعاف تلك الدفاعات، يصعب إصلاح القطع المتضررة فوراً. في هذه الحالة، يجب أن تقرر إيران ما إذا كانت تهتم في المقام الأول بإعادة ترميم برنامجها النووي أو إعادة بناء دفاعاتها الجوية. وبعد تدمير أجزاء أساسية من نظام التسليم والبنى التحتية الخاصة بإنتاج الصواريخ، قد يرغب الإيرانيون في إصلاح هذه الأمور أيضاً، وقد يكون المشروع أكثر كلفة من استبدال جهود تصنيع الأسلحة النوويةrdquo;.
أضاف فورد أن أهم ما يجب معرفته هو ldquo;مدى الاستعداد والقدرة على استئناف تلك النشاطاتrdquo;، أي تجديد جهود إعادة الترميم وفق المسار نفسه. إذا لم تقتصر الحملة على ضربة خاطفة واحدة وشملت حملة كاملة، فقد تتغير معادلة إعادة البناء أيضاً.
قد تكون هذه التحليلات صحيحة، لكن قبل أن تقرر الولايات المتحدة مهاجمة إيران بفترة طويلة، يجب أن نقنع النظام بجدية مواقفنا. يقول جاك كين: ldquo;نحتاج إلى إقناع رجل واحد في هذا المجال كي يتخلى عن البرنامج النووي طوعاً: إنه القائد الأعلى خامنئي. يجب أن يدرك أننا جديون إلى أقصى حد بشأن الضربة العسكرية وأن الأمر لن يقتصر على استهداف المنشآت النووية بل سيتم القضاء على الجيش الإيراني أيضاً. نحن نتكلم هنا عن الجيش الأميركي. صدقونا، سندمركم بالكامل!rdquo;.