أمير طاهري


ماذا نفعل مع محمد مرسي؟

هذا هو السؤال المحير الذي يواجهه النظام الخميني الحاكم في إيران.

فقبل انتخاب محمد مرسي رئيسا لجمهورية مصر العربية، بدأت وسائل الإعلام في طهران بقرع الطبول لمرسي، واصفة إياه بـlaquo;التابع الحقيقي للإمامraquo; الذي سيأخذ مصر في طريق ما يطلق عليه laquo;جبهة المقاومةraquo; التي تقودها إيران.

كان من المفترض أن يقوم مرسي بتمزيق اتفاقية كامب ديفيد، وإغلاق السفارة الأميركية في القاهرة، باعتبارها laquo;وكرا للجواسيسraquo;، ولكن العناصر الأقل تفاؤلا في النظام الحاكم في طهران يدركون جيدا أن مرسي لن يقدم على أي خطوة من هذا القبيل.

وفي الشهر الماضي، حاول الرجل الذي يترأس laquo;مكتب رعاية المصالح الإيرانيةraquo; بالقاهرة تحديد موعد للاجتماع مع مرسي، حيث أراد من مرسي إرسال رسالة إلى أحد التجمعات في طهران يدعى laquo;الصحوة الإسلاميةraquo;، الغرض منها إظهار أن laquo;الربيع العربيraquo; كان مستوحى من بطولة وزعامة خامنئي.

وعندما رفض مرسي لقاء مبعوث النظام الخميني، قامت طهران باختلاق مقابلة مع مرسي، التي قام فيها بإغداق المديح على خامنئي، ووعد باستعادة العلاقات مع الجمهورية الإسلامية.

وبينما نفى مرسي إجراءه لهذه المقابلة، قامت وسائل الإعلام الإيرانية بتحويل الانتباه إلى موضوع آخر، تمثل هذه المرة في عدم رغبة إيران في أن تكون المملكة العربية السعودية أولى محطات مرسي الخارجية بعد تسلمه المنصب، ولكن عندما قام مرسي بزيارة المملكة العربية السعودية، حاولت طهران التقليل من أهمية هذا الحدث.

ذكرت صحيفة laquo;كيهانraquo; الإيرانية التابعة لخامنئي هذه الزيارة في خبر صغير في إحدى صفحاتها الداخلية، بينما قامت محطات الإذاعة والتلفزيون الحكومية بعرض تقرير مدته 10 ثوان في نشرات الساعات المتأخرة من الليل.

ثم قامت طهران بمحاولة أخرى لإظهار مرسي على أنه laquo;أحد جنود الإمامraquo;. وفي هذه المرة، لم تأت المبادرة من أتباع خامنئي، وإنما من مجموعة الرئيس محمود أحمدي نجاد، حيث استغل نجاد انعقاد قمة حركة عدم الانحياز في طهران ذريعة، وقام بإرسال مستشاره الخاص لتقديم دعوة للرئيس مرسي لحضور القمة.

كان المعنى الضمني من وراء هذه الدعوة هو عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، التي قطعت في عام 1979، قبل قيام مرسي بزيارة طهران في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الخطوة ليست هدية من طهران إلى مرسي؛ حيث كانت طهران هي من قامت بقطع العلاقات مع القاهرة، لذا ينبغي أن تأتي مبادرة استئناف العلاقات من الجانب الإيراني أيضا.

ولكن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها، حيث تم قطع العلاقات الإيرانية مع مصر بموجب أوامر من روح الله الخميني، وهو الملا الذي صنع النظام الحاكم في طهران، حين قام بإصدار فتوى تنص على عدم استئناف العلاقات مع مصر إلا بعد قيامها بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد.

وبعبارة أخرى، تريد الجمهورية الإسلامية السيطرة على أحد الجوانب الرئيسية في السياسة الخارجية المصرية. وبطبيعة الحال، لا يستطيع مرسي، أو أي رئيس مصري آخر، الرضوخ لمثل هذه السيطرة، لذا فإن السبيل الوحيدة للخروج من هذه الأزمة هو قيام طهران بإلغاء فتوى الخميني.

ولكن مثل هذه الخطوة سوف تفتح أبواب جهنم على النظام الإيراني، فمن الناحية الآيديولوجية، تقوم العقيدة الخمينية على أسطورة عصمة آية الله الخميني الراحل. لذا فإن الاعتراف بأن الخميني ربما يكون قد ارتكب خطأ وأنه يمكن إلغاء فتاواه، سيكون ذلك بمثابة الضربة القاصمة للبنية الآيديولوجية للنظام الرسمي في طهران.

وفي حالة حدوث ذلك، فيمكن لأي شخص الطعن على ادعاء الخميني بتعيين خامنئي خليفة له، مما سيضع استخدام بعض الاقتباسات من أقوال الخميني لتبرير أي شيء موضع تساؤل، ومن الممكن حينها أيضا التوقف عن استخدام عبارة laquo;وكما قال الإمامraquo; ضد خصوم النظام.

سوف يعني إلغاء الفتوى أيضا أن السلام مع إسرائيل لم يعد ينظر إليه على أنه laquo;خط أحمرraquo;.

هناك سبب آخر لشعور إيران بخيبة الأمل تجاه محمد مرسي، حيث أعلن مرسي بوضوح أن مصر سوف تنضم إلى الدول العربية الداعمة للشعب السوري ضد نظام حكم الرئيس بشار الأسد. ولكن طهران تصف الأسد بأنه laquo;بطل للإسلام الحقيقيraquo;، وتنعت معارضيه بأنهم laquo;عملاء للصهيونية والشيطان الأعظم الأميركيraquo;.

تشعر طهران بالضيق أيضا من عدم قيام مرسي بالتصرف كـlaquo;ثائر حقيقيraquo; عن طريق إصدار أوامره بالقيام بعمليات اعتقال وإعدام موسعة كما فعل الخميني.

وفي أحد افتتاحياتها، وصفت صحيفة laquo;كيهانraquo; مرسي بـlaquo;الفشل في تطهير مصرraquo;، حيث تقول الافتتاحية: laquo;يعد سماح جماعة الإخوان المسلمين لعملاء النظام السابق بالبقاء في مناصبهم السابقة وحتى بشغل مناصب حساسة في الجيش والرئاسة أحد الأخطاء الفادحة التي اقترفتها الجماعة، التي ستتجرع عواقبها المريرة في القريب العاجل. وعلى الرغم من ذلك، فإننا لا نزال نتوقع قيام جماعة الإخوان المسلمين بتطهير هذا البلد الثائر من عناصر الفساد وعملاء أميركا وإسرائيلraquo;.

تمضي الافتتاحية لتقول: laquo;قام الشعب المصري بارتداء الأكفان وتنظيم مظاهرات للمطالبة بشن عملية تطهير قاسية لا هوادة فيها ضد كافة عناصر النظام السابق، واعتبار ذلك المهمة الأولى للرئيس الذي اختاروهraquo;.

تحث الافتتاحية مرسي على رفض تقاسم السلطة مع الجيش وعدم التسامح إزاء وجود عناصر النظام السابق بأي شكل كان، ثم تحذره من السماح بظهور laquo;معارضين أشبه بالبالونات تحركهم أميركا وإسرائيلraquo;.

وفي النظم الثورية، مثل النظام الإيراني، لا يوجد هناك أي مكان للمعارضة.

ثم تختتم المقالة، التي وقع عليها حسين شريعتمداري، والذي اشتهر بتأييده الكبير للفكر الخامنئي، بدعوة مرسي للقيام بكل ما قام به الخميني في إيران منذ عام 1979 وحتى عام 1983.

وفي هذه الأعوام، قام الخميني بإعدام ما يزيد على 100.000 شخص وتطهير نحو 300.000 موظف من الخدمة المدنية والجيش والقطاع العام، وشتى مجالات الاقتصاد. قام الخميني أيضا بإغلاق كافة الجامعات وفصل ما يربو على 6.000 أستاذ و22.000 طالب جامعي، بالإضافة إلى تأميم كافة البنوك وشركات التأمين والشركات الصناعية الكبرى وشركات النقل. ثم قامت laquo;لجان الإمامraquo; بتأميم ممتلكات 750.000 شخص، وإجبار الملايين من المواطنين الإيرانيين على العيش في المنفى، بينما قامت قواته الخاصة بذبح الأقليات العرقية، ولا سيما الأكراد والتركمان، فضلا عن الاستعداد لخوض حرب ضد جيران إيران.

وبالنسبة للخميني، فهذه كانت laquo;الثورة الحقيقيةraquo;.

وعلى الرغم من ذلك، فإن خامنئي يحاول تجاهل وجود اختلاف واضح بين الخميني ومرسي، وهو حقيقة لأن آية الله الخميني قد استولى على السلطة عن طريق الإرهاب، حيث لم يصوت له أي شخص في الانتخابات، بينما يدين مرسي بالفضل في وصوله إلى رئاسة جمهورية مصر العربية للناخبين المصريين الذين صوتوا له في الانتخابات الماضية، والذين من الممكن أن يصوتوا ضده في الانتخابات القادمة.