علاء ناجي


رأيت في اليوتيوب مقطعا للملك عبدالله حفظه الله وهو يحكي بألم وعتب عن بعض من تمنى أن تكون معونة المملكة لإيران عندما ضربها الزلزال قبل مدة تحتوي على مواد مسرطنة. كان الرجل يتحدث ويتبرأ ممن يقول هذا، ويقول إنهم ليسوا سعوديين، فهو لم يفعل سوى ما يمليه عليه واجب الإنسانية ثم واجب الأخوة في الدين، وبقي يكرر هؤلاء إخواننا قبل كل شيء.
حركتني وجدانيا رؤيتي لمنهج هذا الملك العاقل مع إخوة من المذهب الشيعي في دولة لم تزل منذ مدة تنافس المملكة بكل الوسائل إلى حد المنافسة السياسية أحيانا، مما يتيح للمملكة أن تأخذ منها موقفا سياسيا حذرا أيضا، وحركني وجدانيا تفريقه الحصيف بين الموقف السياسي للآخر وبين واجب الإنسانية والأخوة في الدين (على تباين المذهب). وكان تأثير هذا المشهد علي أشد وقعا وأكثر ألما لتزامن رؤيتي له مع اطلاعي من خلال quot;تويترquot; على بعض من ينسبون نفسهم للدعوة ولهم أعداد كبيرة من المتابعين من السنة والشيعة، وهم يتبادلون فيما بينهم اتهامات عدم الولاء والتبعية لدول أخرى، وبطلان العقيدة والتكفير بشكل مسف ومؤلم. هذا التزامن بين هذه المهاترات التويترية وبين مقطع الـquot;يوتيوبquot; هزني حقيقة، فأوحى إلي بكتابة بعض التغريدات في التويتر تحت وسم quot;أنا لست شيعياquot;.
انصبت تغاريدي حول حقيقة أن مصلحة هذا الوطن تقتتضي أن تذوب الاختلافات المذهبية تحت رايته التي تحمل كلمة التوحيد، وتبث شعاعها الأخضر ليشمل كل أطيافنا داخل إطاره، وبحكم أنني من صغار المغردين، وضعت الوسم وبثثت التغاريد، ولم أتصور للحظة أن يوجد هذا الوسم ما أوجده من حوار وتباين في ردات الفعل ووجهات النظر، ما بين إعجاب وتقدير ومتابعة وبين إلغاء متابعة وعتب وشتم واتهام بالتبعية والجهل وعدم الولاء والانبطاحية.
لا يسع عاقلا إلا أن يقر أن الخلاف بين السنة والشيعة قديم، والفجوة الفكرية والمذهبية كبيرة تصل حد التباين وعدم التوافق في أجزاء منها، لكن المفترض أن نتيجة الإقرار بهذا التباين في المنهج هي الإصرار على التعايش في حضن ذات الوطن، لا تمزيق رايته وتحطيم صورته بشكل يذكرنا دوما بقوله تعالى في سورة الأنعام: quot;إِنَ الَذين فَرقوا دِينهم وكانوا شِيعا لستَ منهم في شيءٍ إنما أمرُهم إلى الله ثم يُنبِئهم بما كانوا يفعلونquot;.
بينما أقر بأهمية الانتماء للمدرسة العقدية وعدم التماهي مع الآخر مهما كان هذا الآخر، فإنني أيضا أرى أهمية الانتماء للوطن وإبقاء حس المواطنة بعيدا عن هذ التباين، تماما كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال معاهدة المدينة بين قاطنيها من يهود ومسلمين تأطيرا لمبدأ المواطنة وإنفاذا لمبدأ quot;لكم دينكم ولي دينquot;.
ربما هنالك بعض حالات شغب وتجاوز غير مقبول خلال الأسابيع الماضية في بعض المناطق، وهي بالنسبة لي كما هي بالنسبة لأي مواطن تهمه مصلحة بلده، تحركات غير مقبولة نظاما ويستحق القائمون بها والقائمون عليها كل ما ينص عليه النظام من عقوبة، ولكن كون هذه الحالات قد صدرت من بعض أبناء طائفة معينة، أو حدثت في مدينة معينة لا يمكن بحال أن تتخذ ذريعة لتعميم الاتهام الشعبي لتلك المدينة أو تلك الطائفة وأفرادها بالتبعية لبلد معين، والتشكيك في ولائهم ووطنيتهم، لأن ذلك لن تكون نتيجته محمودة العاقبة للوطن، وستفتح المجال لتبادل الاتهام واتساع الفتق على الراتق.
أبناء المنطقة الشرقية من الشيعة موجودون فيها منذ القدم، ولم ينسب لهم أنهم في يوم ما كانوا أتباعا للدولة الصفوية أو لإيران، وعلينا أن نسائل أنفسنا كيف ولماذا لم يتبع أبناء المنطقة الشرقية إيران في عهد التشرذم قبل توحيد المملكة، بل وعلينا أن نسأل كيف ولماذا تعاونوا مع الملك عبدالعزيز رحمه الله وبقوا ضمن نسيج هذا الوطن ولم يلتحقوا بإيران أو يدعوا للانفصال والاستقلال والسعودية حينئذ ما تزال في طور التكوين؟
أقول بقول الملك عبدالله حفظه الله، هذه النزعة الطائفية الاتهامية ليست ابنة المملكة وليست من أصول ذهنية ومنهجية أبنائها، وهي دخيلة علينا من قبل من له مصلحة في إضعاف اللحمة بين أبناء هذا الوطن، وإن علينا أن نقاومها وأن نستنكرها مهما كانت المكانة العلمية والمنبرية للقائمين بها. قد يكون إصدار نظام لمكافحة الطائفية والتمييز العنصري أحد الأدوات التي نحتاجها لمقاومة موجة الطائفية والتصنيف هذه التي تجتاحنا كالجراد لتأكل الأخضر من علمنا وراية التوحيد، مستسقين ذلك من شريعتنا الغراء التي جاءت بهذه المبادئ، ومتسقين مع الإعلانات والمعاهدات الدولية المستقرة في هذا الباب بما فيها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 التي انضمت المملكة إليها في عام 1997.