محمد نور الدين

كل المؤشرات تدل على أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في طريقه ليكسر الرقم القياسي في المدة الزمنية التي تولاها زعيم تركي الحكم وبصورة متواصلة وليست متقطعة .

أردوغان سيمضي على وجوده في السلطة في مارس/آذار من العام المقبل عشر سنوات . فقد انتصر حزب العدالة والتنمية برئاسته في خريف 2002 . لكن أردوغان لم يترشح للنيابة بسبب قانون منعه من ذلك . وفي مارس/آذار 2003 شغر مقعد فرعي في دائرة سعرت ففاز أردوغان به بعد تعديل قانون المنع، ومن ثم تولى رئاسة الحكومة التي كان يتولاها بrdquo;الأمانةrdquo; عبدالله غول .

منذ ذلك العام فاز أردوغان في كل الانتخابات التي قادها على رأس حزبه . ثلاثة انتخابات نيابية أعوام 2002 و2007 و،2011 وفي كل مرة ازدادت نسبة التأييد من 34 إلى 47 إلى 50 في المئة على التوالي . وفاز أردوغان بالانتخابات البلدية أعوام 2004 و2009 وبنسبة عالية باستثناء المناطق الكردية . وفقاً لهذه الأرقام فإن المتوقع أن يواصل حزب أردوغان حصد الانتصارات . ووفقاً لاستطلاعات الرأي فإن حزب العدالة والتنمية لايزال يحصد ما نسبته من خمسين إلى 53 في المئة، أي أن نسبة التأييد لم تتراجع، بل ازدادت وإن بنسبة محدودة، ولكنها كافية لتثبيت أردوغان ldquo;باديشاهاrdquo; غير متوج لتركيا الجمهورية التي تستعيد رموزها العثمانية مع اقتراب الذكرى المئوية لسقوط الدولة العثمانية بسبب الثورة العربية الكبرى في العام 1916 .

باستثناء فترة أتاتورك التي استمرت 15 عاماً في زعامة الدولة، فليس من زعيم آخر تعدت ولاياته العشر سنوات . عدنان مندريس كان الأطول عمراً سياسياً بصورة متوالية من عام 1950 إلى عام 1960 . وانتهى على حبل المشنقة مع أول انقلاب عسكري في التاريخ التركي الحديث .

رجب طيب أردوغان قرر عدم الترشح لرئاسة الحزب لولاية رابعة، لكنه سيبقى رئيساً للحكومة حتى العام 2014 موعد إجراء الانتخابات الرئاسية .

الأرجح إلى درجة قريبة من اليقين، أن أردوغان سيترشح لرئاسة الجمهورية خلفاً لعبدالله غول ليكون الرئيس الأول المنتخب بالاقتراع الشعبي المباشر .

إذا ما تحققت خطة أردوغان هذه فسيكون رئيساً للجمهورية لخمس سنوات، ومن بعدها يحق له التجديد لخمس سنوات أخرى . إذا حصل هذا الأمر فسيكون أردوغان رئيساً حتى العام 1925 أي أنه سيشهد الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية، ويدخل التاريخ حتى في فترته الأولى ليكون الرئيس الأطول مدة متتالية في زعامة تركيا في رئاسة الحكومة، ثم رئاسة الجمهورية، متفوقاً بذلك على أتاتورك نفسه .

هذا الطموح الأردوغاني ليس بعيد المنال، بل إن أردوغان الذي لايزال في الثامنة والخمسين من العمر لايزال يتمتع بالحيوية التي تتيح له ذلك ما لم تتدخل العناية الإلهية في قضائها وقدرها، ويحسب أردوغان لذلك بطريقة تجعله بالفعل ملكاً غير متوج .

قبل أيام التقى أردوغان رئيس حزب صوت الشعب نعمان قورتولمش واقترح عليه دمج الحزبين . وافق قورتولمش . الدمج ليس مهماً لحزب العدالة والتنمية . فحزب صوت الشعب لا يحظى إلا بتأييد أقل من واحد في المئة . وهو شهد انقساماً بعد قرار قورتولمش بالموافقة، بخروج رئيس فرع اسطنبول محمد بكار أوغلو منه . لكن أردوغان يريد تجميع النقاط نقطة نقطة، إذ إن الخطوة التالية هي ضم حزب السعادة أو تيار حزب السعادة إليه عبر التواصل مع ldquo;فاتحrdquo; نجل الزعيم الراحل نجم الدين أربكان . حسابياً ليس لحزب السعادة أهمية، إذ إنه كما حزب الشعب لا يحظى إلا بتأييد واحد في المئة إن لم يكن أقل من أصوات الناخبين . وهكذا قد يفعل مع حزب الاتحاد الكبير . لكن أردوغان لا ينظر إلى الحسابات الرقمية فقط، بل يريد رأس كل التيارات الدينية المعتدلة والمتشددة . ويرى المراقبون أن الحجر الأكبر لأردوغان سيستهدف لاحقاً حزب الحركة القومية، الحزب الوحيد القريبة قواعده أيديولوجياً من قواعد حزب العدالة والتنمية وهو يحظى بتأييد نحو 15 في المئة من أصوات الناخبين .

السيناريو الذي يرسمه أردوغان في طريقه إلى التحقّق تدريجياً، لكن الأهم ألا تسقط تركيا في فخ استبداد الزعامات ولو كانت منتخبة من الشعب، خصوصاً أن تورط تركيا في المشكلات المشرقية يجعلها أكثر عرضة لاكتساب خصائص المشرق الإشكالية .