سركيس نعوم

تلقيت في الأسابيع الماضية معلومتين من صديق أميركي يتابع أوضاع سوريا والمنطقة وسياسات بلاده حيالهما. الاثنتان متناقضتان، لكنه ربما حَرِص على اطلاعي عليهما اولاً ليلفتني إلى استمرار غموض ما ستفعله اميركا ازاء الأزمة السورية، وإلى تكاثر الشائعات عن اقتراحات اميركية غير نهائية ولكن مع التعامل معها على أنها ثابتة. وثانياً لكي يأخذ رأيي فيهما ربما. المعلومة الأولى اشارت الى اقتناع روسيا وايران الاسلامية بأن نظام بشار الأسد سيسقط في النهاية، والى انزعاجهما من ذلك. واشارت ايضا الى الى ان وزيرة الخارجية الاميركية حملت معها الى زعيم روسيا، في اثناء زيارتها الاخيرة لموسكو، عرضاً يتضمن استعداد ادارتها لقبول قيادة روسيا عملية جدية لإنهاء الأزمة في سوريا مع ما يعيده هذا الأمر الى روسيا من هيبة فقدت الكثير منها عند انهيار الاتحاد السوفياتي. ويتضمن العرض ايضاً طلباً واحداً، هو رفض اميركا استمرار بشار الأسد على رأس الدولة السورية، ولكن مع تطمين الطائفة العلوية التي ينتمي اليها، وذلك بتعيين أحد ابنائها نائباً لرئيس الجمهورية. أما رئيس الجمهورية فلا بد أن يكون من الغالبية الشعبية السورية السنّية المعارِضة. ولم تتضمن المعلومة نفسها اي شيء عن الجيش والأجهزة الأمنية وقوى الشرطة وquot;الشبّيحةquot; في سوريا، وتحديداً عن هوية الجهة، أو الجهات التي ستقودها. وهل تبقى قيادتها quot;القديمةquot; أو تُعيّن لها قيادة جديدة منسجمة مع الواقع السوري الجديد، أي واقع ما بعد بشار ونظامه وحزب البعث. وهذا أمر صعب جداً. ذلك أن الاعتماد على القديم او السابق قد لا يستقيم مع quot;المجازرquot; التي ارتُكبت والتي لا بد من مجابهة مرتكبيها.
اما المعلومة الثانية فكانت ان آب المقبل سيكون شهراً حاسماً على صعيد سوريا وأزمتها الدموية ونظامها وشعبها الثائر عليه. طبعاً لم يفصح لي الصديق الأميركي المشار اليه اعلاه عن اسم مصدر معلومته هذه، لكنه أكد ثم كرّر التأكيد أنه ذو صدقية عالية وواسع الاطلاع.
أي من المعلومتين أقرب الى الصحة؟ لا أمتلك جواباً واضحاً وحاسماً عن ذلك. لكنني أكثر ميلاً الى الأولى وخصوصاً بعدما لفت صحافي غربي معروف قبل مدة غير طويلة الى تفاهم توصلت اليه اميركا وروسيا يحل الأزمة السورية خلال سنتين، وتكون الانتخابات الرئاسية عام 2014 المرحلة الأخيرة من الحل. علماً اني لا أزال مقتنعاً بأن الصراع أو الحرب أو الأزمة أو الثورة في سوريا طويلة، ولن تنتهي الا بعد تفاقم الفوضى وانتشار سفك الدماء. وهذه أمور يمكن أن تنتقل الى لبنان وخصوصاً اذا شعر النظام quot;بحشرةquot; كبيرة، أو اذا احتاج الثوار الى اللبنانيين، أو اذا قرر حلفاء الأسد في لبنان النزول الى الساحة اللبنانية لمساعدته عبر ضرب أعدائه فيه، وفي الوقت نفسه لمساعدة انفسهم. علماً أن قراراً من هذا النوع لا بد ان تكون له خلفية ايرانية.
في اختصار ما هو تقويم الاميركيين اليوم للأوضاع في سوريا؟
يشير الصديق الأميركي المتابع نفسه في جوابه الى أن حوادث دمشق في الايام القليلة الماضية تدل على أن جهة قادرة ما أعطت الثوار السوريين نصائح استراتيجية منها نقل المعركة الى العاصمة. ويشير ايضاً الى ان عدد القوات المسلحة (أي الجيش) قد انخفض بنسبة النصف تقريباً. وتحديداً الوحدات المنتمية الى الغالبية (السنّية)، في حين بقي المنتمون الى الأقلية على نسبتهم وهي 40 في المئة من الجيش.
انطلاقاً من كل ذلك يلخّص المتابع اياه تأثير نقل الثورة الى دمشق بالآتي:
1- إجبار النظام على نقل القوات الثابت تأييدها له الى العاصمة، الأمر الذي يحرّر الارياف ومدن عدة، وربما يدفع الثوار الى إدارتها.
2- شلّ العاصمة دمشق ودفع الكثيرين من سكانها الى الانتقال اما الى لبنان (مسيحيين مثلاً) أو الى مناطق الثوار.
3- لن يستطيع الثوار السيطرة على دمشق، لكنهم يستطيعون انزال ضربات مهمة وقاسية بقوات النظام داخلها. وقد يؤدي تزايد الضحايا المنتمية الى عصبية الأسد الى نوع من النقمة عليه.
4- سيثير القصف المتكرر للعاصمة من قوات الأسد غضب الغالبية السنّية في البلاد، ولا بد أن يدفعها الى مطالبة اميركا وتركيا بالنزول على أرض سوريا لانقاذها.
5- ان عرض ايران استضافة حوار بين نظام الأسد ومعارضيه يشير الى اقتناعها بأن الرئيس الأسد في مشكلة.
6- يؤشر انتقال الثورة الى العاصمة السورية الى ان نهاية نظام الأسد صارت قريبة.