علي الخبتي

أمام مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي مهمة صعبة في زمن صعب، لكن ما يأمله المسلمون هو أن قادة العالم الإسلامي في مستوى القضايا التي تعاني منها أمتهم، وفي مستوى التحدي


المملكة العربية السعودية من أوائل الدول الإسلامية التي حرصت ودعت إلى التضامن الإسلامي وتوحيد كلمة المسلمين وجهودهم وتوجهاتهم وسعت بكل بما تملكه من إمكانيات لتحقيق هذه الغاية..وكان ذلك منذ زمن طويل.. ففي يونيو من عام 1926م دعا الملك عبدالعزيز إلى أول مؤتمر إسلامي في مكة للمشورة حضره 69 مندوبا من الهند وتركيا ومصر وفلسطين ولبنان وسوريا والاتحاد السوفيتي والسودان وأفغانستان واليمن. وتوالت الجهود والمؤتمرات في مكة المكرمة التي تهدف إلى توحيد كلمة المسلمين ولم شملهم ونتج عن تلك الجهود أن أنشئت رابطة العالم الإسلامي بموجب قرار صدر عن مؤتمر العالم الإسلامي الذي عقـد بمكة المكرمة في 14 ذو الحجة 1381 هـ الموافق 18 مايو 1962م.. ثم توالت الجهود التي تكشف حرص المملكة العربية السعودية لتحقيق هذا الهدف فكانت زيارات الملك فيصل التاريخية إلى أفريقيا في السبعينيات الميلادية التي سميت آنذاك زيارات التضامن الإسلامي التي أيضاً كانت شاهداً حياً على عودة عدد من الدول الإسلامية في أفريقيا إلى منظومة الدول الإسلامية والقضاء على المشكلات التي كانت تحول دون ذلك وقطع الطريق على الساعين إلى إبعاد الدول الإسلامية عن بعضها وإلى تشرذمها وتفرقها.. وتأتي دعوة الملك عبدالله لعقد مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي في مكة المكرمة يومي 26 و27 من رمضان لهذا العام 1433هـ الموافق 14 و15 أغسطس 2012م امتدادا لتلك الجهود التي بدأها مؤسس هذه البلاد الملك عبدالعزيز واستمرت تلك الجهود من بعده إلى اليوم في دليل واضح وشاهد ماثل للعيان على صفاء ونقاء وحرص هذه البلاد وعلى الرغبة ووضوح الرؤية وسلامة الهدف واستشعار المخاطر التي تحدق بالعالم الإسلامي والتصدي لها قبل استفحالها بإيجاد الحلول المناسبة لها وبقاء عالمنا الإسلامي ملتئماً معبراً عن عقيدته النقية ومثله السامية وقيمه الصافية في عالم اليوم الذي تحفه المخاطر وتحدق به المشكلات وتكتنفه التفرقة وتلفه المؤامرات.. يأتي هذا المؤتمر للمحاولة لتحويل العالم الإسلامي إلى عالم تتمثل فيه القيم والمثل والمبادئ والأخلاق الإسلامية السامية من محبة وسلام وتعاون وتسامح وألفة ..عالم إسلامي قوي بقوة عقيدته .. وفي محاولة لتفويت الفرصة على الأعداء الذين يسعون ليلاً ونهاراًً.. سراً وعلانية لتفتيت العالم الإسلامي وتشرذمه وتفرقه.. ويحرصون على إفشال أي جهد لالتئامه وتوحده ..تأتي دعوة المملكة العربية السعودية للدعوة لمؤتمر استثنائي للتضامن الإسلامي في وقت أحوج ما يكون فيه العالم الإسلامي للاجتماع والحوار وطرح المشكلات وإبرازها والحديث عنها بكل شفافية وبنوايا صادقة وتوجهات سليمة والتعاون والتلاحم لحلها..
إن اجتماع المسلمين في مكة المكرمة يعد إنجازا كبيراً ومناقشة هموم المسلمين هو تفكير صحيح يمثل روح الإسلام..يؤدي بإذن الله إلى حلول عملية لقضايا تعاني منها الأمة الإسلامية منذ زمن طويل. أول هذه القضايا ضعف الأمة وتخلفها وانهزامها وهي خير أمة أخرجت للناس, وتمتلك من المقومات ما يجعلها كذلك.. ولا يليق بأمتنا أن تكون في هذه المكانة وهي تمتلك أصفى عقيدة وأنقى دين..ودستورها يحث على العلم ويدعو إل التدبر والتفكر وإعمال العقل والثناء على أولي الألباب..وهو يدعو إلى القوة والعزة والرفعة.. وأمتنا بهذه المواصفات مؤهلة لتكون في مقدمة الركب.. والقضية الثانية أمام مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي في مكة المكرمة، قضية الخطاب الإسلامي.. فخطابنا الإسلامي الخارجي والداخلي متناقض ومختلف ومنفر.. المحبة والسلام والتسامح والتعاون هي قيم حقيقية في ديننا .. ولأن خطابنا الإسلامي لا يكشف هذه القيم فقد ادعى الآخرون أن هذه القيم لهم ويحاولون تعليمها وفرضها علينا حتى بالحروب.. بسبب تناقض وضعف خطابنا الإسلامي. وبسبب وجود فئة نشطة من أبناء الإسلام طغت فكرة الإرهاب والتطرف والكراهية على الخطاب الإسلامي القوي النشط الذي يصل للآخر.. وساعد في ذلك إعلام غربي منظم أوصل هذا الخطاب فأساء للإسلام وشوهه.. وأساء للمسلمين وسود صورتهم.. وأمر مناقشة الخطاب الإسلامي مهم للغاية للوصول لحلول تجعل الخطاب الإسلامي الحقيقي الذي يحمل القيم والمثل والمبادئ الإسلامية الحقيقية قوياً مقنعاً مسموعاً حتى نصل إلى صور حقيقية صافية ونقية للأمة الإسلامية وللمسلمين.. وحتى يُفهم المسلمون على حقيقتهم..هذا من جانب والجانب الآخر المتعلق بالخطاب الإسلامي الداخلي فهو أيضاً يتطلب جهداً كبيراً..فهو خطاب متناقض إلى درجة الاختلاف الذي يدعو في بعض نماذجه إلى الفرقة ونماذج أخرى منه تدعو إلى العداء.. كيف لأمة هذا واقعها أن تتقدم وتُسمع وتُحترم؟ هذا الأمر له سلبيتان: إحداهما أن التناقض في الخطاب الإسلامي يجعل المتلقي في حيرة لمن يسمع ومن يصدق.. والثانية أن هذا التناقض يخدم العدو الذي يستشهد دائماً بهذه المتناقضات ويستثمرها في مخططاته لإضعاف الأمة. ولهذا لا بد من وقفة جادة وفاعلة ومستمرة لمعالجة هذا الجرح النازف في خاصرة الأمة الإسلامية..
والقضية الثالثة أمام المؤتمر هي التعاون الاقتصادي.. فعالم اليوم هو عالم الاندماج والتكتل.. والاندماج في مختلف مناحي التنمية يقوي اقتصادات العالم الإسلامي .. وقد يبدأ تدريجياً في بعض النواحي ضمن خطة استراتيجية تكفل تعاوناً حقيقياً يحقق هذا الهدف.. العالم الإسلامي يمتلك من المقومات ومن الإمكانيات ما يؤهله أن يكون في الطليعة.. ومثل هذا المؤتمر المبارك وما يتبعه من مؤتمرات يكفل وضع الخطط ورسم الإستراتيجيات وتشكيل فرق عمل تعمل على تحقيق هذا الهدف لمزيد من التعاون والالتئام وتفويت الفرص على الأعداء الذين يتربصون بنا ويسعون لإضعافنا وتفرقتنا وتشرذمنا.
في يقيني ولعلكم تتفقون معي أنه إذا صلحت النوايا وخلصت الجهود واستمرت اللقاءات واستطعنا أن نعالج هذه القضايا، بكل ذلك بعد توفيق الله سنتحول إلى أمة متحابة متآخية ننظر إلى بعضنا بمنظار الدين الواحد والهم الواحد والهدف الواحد، يجمعنا الإسلام نعمل جميعاً على رفعة أهله وعزتهم ليكون في مستوى رفعة هذا الدين العظيم وعزته.. وسنحقق استقرار أمتنا وأوطانها ليعم فيها الأمن والسلام وتتحول جهود أبناء الأمة إلى تحقيق كل ما يعمل على تطوير واستقرار وأمن أوطانهم.
أمام مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي القادم بعد أيام في مكة المكرمة مهمة صعبة في زمن صعب، لكن ما يأمله المسلمون هو أن قادة العالم الإسلامي في مستوى القضايا التي تعاني منها أمتهم، وفي مستوى التحدي..إننا كمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها نتطلع ونأمل وندعو الله عز وجل أن يكلل أعمال هذا المؤتمر بالنجاح .المهام صعبة لكنها ليست مستحيلة.