صالح القلاب

ربما أن استخدام بشار الأسد، مع أنه الأمين العام والأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، لمصطلح laquo;الأمة السوريةraquo; بدلا من الأمة العربية في الرسالة التي وجهها إلى جيشه في الذكرى السابعة والستين لتأسيسه، التي كانت حلت قبل أيام، لم يسترْعِ اهتمام الذين يتابعون ما يجري في سوريا من أحداث عن كثب ولم يثِرْ أي تساؤل لديهم عمَّا إذا كان هذا الاستبدال مقصودا أم أنه مجرد تداخل في التعبيرات أملته هذه الأوضاع الملتهبة في بلد يعتبر نفسه قلب العروبة النابض؟ وهو كذلك بالفعل.

ولعل المفارقة هنا أن رسالة بشار الأسد التي وجهها إلى جيشه عبر مجلة laquo;الجنديraquo;، الناطقة باسم هذا الجيش، قد خلت تماما من أي إشارة لحزب البعث الذي بقي يحكم وإن شكليا منذ الثامن من مارس (آذار) عام 1963 وحتى الآن وذلك في حين أن رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا الكردي الانتماء قوميا قد أعلن وفي الفترة ذاتها أنه لن يكون هناك اجتثاث لهذا الحزب على غرار ما حدث في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين في عام 2003.

وبالطبع فإن هذا الذي أعلنه عبد الباسط سيدا يدل على سعة الأفق وعلى مدى أخذ العبر والدروس مما ارتكب من أخطاء في العراق كما يدل على المعرفة الأكيدة بأن حزب البعث لم يكن كله مع صدام حسين وأنه كان غباءً سياسيا ونزعة ثأرية جاهلية تحت ضغط النفوذ الإيراني أن يسارع الحكام الجدد إلى تكليف أحمد الجلبي باجتثاث هذا الحزب كما أنه يدل على المعرفة التامة بأن هذا النظام الذي بقي يحكم سوريا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 ليس نظاما بعثيا بل نظام عائلة لجأت إلى تدمير الحياة السياسية في هذا البلد بالتحالف مع laquo;الأخوالraquo; الذين كان انتماؤهم ولا يزال للحزب القومي السوري الذي يقاتل أعضاؤه الآن مع مجموعات laquo;الشبيحةraquo; وفرق الطائفيين الذين ارتكبوا وما زالوا يرتكبون كل هذه الجرائم التي ترتكب في كل المناطق السورية.

لقد بقي الحزب القومي السوري ممنوعا، منذ ارتكاب جريمة اغتيال عدنان المالكي في عام 1955 الذي كان يومها نائب رئيس أركان القوات المسلحة السورية والذي كان مهيئا للقيام بانقلاب عسكري لقطع الطريق على انقلاب كان يعد له القوميون السوريون، من العمل السياسي في سوريا وكان أعضاؤه محرومين من الحقوق المدنية إلى أن قام حافظ الأسد بانقلابه العسكري على رفاقه البعثيين في نوفمبر عام 1970 فتغيرت الأمور سريعا وأصبح هذا الحزب أحد أحزاب ما يسمى الجبهة الوطنية التي شكلت لتكون laquo;ديكوراraquo; لممارسات الأجهزة الأمنية.

كانت منطقة الساحل السوري ومعها مناطق الأكثرية العلوية مغلقة بصورة عامة لحزبين فقط هما حزب البعث الاشتراكي الذي انتمى إليه حافظ الأسد مبكرا والحزب القومي السوري الذي كان من أبرز رموزه العسكريين الضابط اللامع غسان جديد الذي كان فر إلى لبنان بعد اغتيال عدنان المالكي مباشرة وتم اغتياله هناك بقرار من البعثيين ثأرا لاغتيال رفيقهم وذلك مع أنه شقيق صلاح جديد الذي من المعروف أنه لعب دورا رئيسيا في الحياة السياسية السورية وبخاصة بعد حركة الثالث والعشرين من فبراير (شباط) عام 1966 التي أنهت حكم: laquo;القيادة القوميةraquo; وأَقْصَتْ مؤسِّسي هذا الحزب ميشيل عفلق وصلاح البيطار الذي تأسس رسميا في السابع من أبريل (نيسان) عام 1947.

وهنا فإنه قد يكون غير معروف أن استعانة حافظ الأسد بالحزب القومي السوري إن في لبنان، بعد دخول قواته إليها في نحو منتصف سبعينات القرن الماضي وإن في سوريا نفسها بعد اشتداد صراعه مع جماعة الإخوان المسلمين وبخاصة في أعقاب مذبحة laquo;حماهraquo; الشهيرة في فبراير 1980، قد جاءت من خلال عائلة laquo;مخلوفraquo; التي هي عائلة زوجته أنيسة التي يقال إنها كانت قومية سورية قبل زواجها بالرئيس السوري السابق والتي يقال أيضا أنها بقيت على قوميتها السورية حتى الآن وأن دورها بالنسبة لكل هذه الأحداث التي تعصف الآن بهذا البلد العربي يعتبر رئيسيا وأن كل ما يفعله ابنها بشار هو مجرد استجابة لما تشير به وما تقوله.

ولعل ما يعزز القناعة بأن ثقافة بشار الأسد ومفاهيمه، على الرغم من أنه الأمين العام والأمين القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي، هي مفاهيم وثقافة البيئة التي عاشها في كنف والدته والتي هي من الناحية السياسية بيئة قومية سورية. ولهذا فإن أغلب الظن بل المؤكد أن استخدامه لمصطلح: laquo;الأمة السوريةraquo; في الرسالة الآنفة الذكر التي وجهها إلى جيشه في الذكرى السابعة والستين لتأسيسه بدلا من مصطلح: laquo;الأمة العربيةraquo; لم يكن مجرد هفوة غير مقصودة بل إنه يعبر عن قناعة ازدادت رسوخا بعد انفجار هذا الصدام المصيري الذي تعيشه سوريا حيث بادر القوميون السوريون، حتى بمن في ذلك الذين منهم في لبنان، إلى الانخراط في هذه المواجهة المحتدمة إلى جانب فرق laquo;الشبيحةraquo; والطائفيين وحيث بات يعتقد هو نفسه أن العرب منخرطون في laquo;المؤامرة!!raquo; عليه إن بصورة فردية ومباشرة وإن من خلال جامعة الدول العربية.

وحقيقة أن laquo;الحركة التصحيحيةraquo; التي كان قام بها حافظ الأسد في عام 1970 كانت انقلابا على حزب البعث أو على باقي ما تبقى منه بعد حركة الثالث والعشرين من فبراير 1966 فالمعروف للذين عاشوا تلك المرحلة التي مضى عليها حتى الآن أكثر من أربعين عاما أن الرئيس السوري السابق كان قد نفذَ انقلابه العسكري، هذا المشار إليه، بعد اجتماع طارئ للمؤتمر القومي العاشر الاستثنائي لهذا الحزب الذي كان مكونا من 84 عضوا غالبيتهم من laquo;القطر العربي السوريraquo; انحاز ثلاثة منهم فقط إلى هذا الرجل، الذي بقي لاعبا رئيسيا في كل التطورات السورية المتلاحقة منذ سقوط الوحدة المصرية - السورية في عام 1961، هم عبد الحليم خدام الذي يعيش الآن لاجئا سياسيا في باريس ومصطفى طلاس الذي التحق به متأخرا ومحامٍ أردني هو أحمد النجداوي ما لبث أن التحق بحزب البعث العراقي الذي كان سبقه إليه الأردني الدكتور منيف الرزاز وlaquo;القائد المؤسسraquo; ميشيل عفلق الذي كان رفاقه السابقون في حزب البعث السوري قد أصدروا عليه حكما بالإعدام بتهمة laquo;الخيانة العظمىraquo;!!.

إن سبب كل هذا السرد، هو إثبات أن حزب البعث الموجود حاليا في سوريا ليس بحاجة إلى أي اجتثاث فهو قد أُجتُث عندما تشكلت اللجنة العسكرية، التي جرى تشكيلها خلال الوحدة المصرية - السورية من عدد من الضباط البعثيين من بينهم محمد عمران وحافظ الأسد وصلاح جديد وآخرين، التي أصبحت بديلا فعليا للقيادة القومية والقيادة القطرية والتي قامت بانقلاب الثامن من آذار (مارس) 1963 من وراء ظهر هذا الحزب ومن دون علمه وهو أي حزب البعث قد أُجتث أيضا عندما لجأت هذه اللجنة العسكرية وكان حافظ الأسد من أهم رموزها بانقلاب الثالث والعشرين من فبراير عام 1966 على ما كان يعتبر نظام laquo;القيادة القوميةraquo; التي كان عفلق والبيطار يشكلان واجهتها الشكلية كما أنه قد أجتث نهائيا وللمرة الثالثة أو الرابعة عندما قام الأسد الأب بانقلابه على رفاقه في عام 1970 وأيضا عندما أصبح الأسد الابن أمينا عاما وأمينا قطريا بعد خلافته لأبيه في عام 2000 وذلك على الرغم من أن عمره كان مجرد 34 عاما وأيضا عندما أصبح عبد الله الأحمر غير المعروف، أين هو الآن، أمينا عاما مساعدا لحزب لم يبق من حزبيته إلا الاسم فقط.

المهم وفي النهاية فإنه لا بد من التأكيد ومرة أخرى على أن استخدام بشار الأسد لمصطلح laquo;الأمة السوريةraquo; في رسالته إلى الجيش السوري في الذكرى السابعة والستين لتأسيسه قبل أيام، لم يكن مجرد زلة لسان ولا مجرد خطأ عابر وقع فيه تحت ضغط الأحداث المتلاحقة في سوريا بل إنه في حقيقة الأمر هو واقع حال ما بقي قائما منذ حركة حافظ الأسد laquo;التصحيحيةraquo; في عام 1970 التي أكلت كل رموزها ولم تُبقِ إلاّ أبناء الخؤولة والعمومة الذين تربوا كلهم في البيئة القومية السورية.