سركيس نعوم

أكدت الحكومة التركية اكثر من مرة، منذ اختطاف ثوار سوريين احد عشر مواطناً لبنانياً شيعياً للمسؤولين والسياسيين اللبنانيين انها لا تمون على الخاطفين ولا تستطيع إجبارهم على الافراج عن المخطوفين. طبعاً لم quot;يقبض جدquot; هؤلاء اللبنانيون التأكيد التركي، ذلك انهم يعرفون الدور الداعم للثورة السورية الذي قامت به تركيا. ويعرفون ايضاً الجهود السياسية الجبارة التي بذلتها لإقناع الرئيس بشار الاسد بالتجاوب مع مطالب الثورة يوم كانت لا تزال سلمية ويوم كانت المطالب معقولة، وذلك في مقابل ضمانات تكفل استمرار رئاسته وتجنّب بلاده تحوُّل الثورة حرباً أهلية. ويعرفون ثالثاً مساعدات تركيا الى اللاجئين السوريين والى الثوار، الامر الذي وفّر لهم عملياً منطقة آمنة ضيقة على حدودهم قد تتوسع في حال خسر النظام معركة حلب او يتسبَّب انتصاره فيها بعملية عسكرية تركية ضده.
لكن اللبنانيين المذكورين اعلاه لا يستطيعون التعبير عن عدم تصديقهم رواية عجز تركيا بسبب استمرار حاجتهم الى مساعيها، وادراكهم ان دورها الاقليمي واستطراداً السوري فاللبناني لا يمكن الاستغناء عنه.
وقد جاء في تقرير بعثة اوروبية اميركية زارت اخيراً مدينتي انطاكية واسطنبول، وقابلت ثواراً ومعارضين من الداخل السوري وآخرين من الخارج، ونشر quot;الموقف هذا النهارquot; بعض محتوياته، جاء فيه ما يؤكد غياب سوريا النظام عن حدودها مع تركيا والاشراف التام للأخيرة على تحرك اللاجئين وثوار الداخل ومعارضي الخارج. وعنى التأكيد ان حكومة تركيا قادرة على الضغط على الخاطفين، ومنهم ابو ابرهيم، لاطلاق اللبنانيين المخطوفين. لكنها لم تفعل ذلك، ولا احد يدري اذا كانت ستفعله مستقبلاً. وما يعزز هذا الاستنتاج هو ان مقر اقامة المخطوفين في سوريا يبعد تسعمائة متر عن الحدود التركية، علماً ان الديبلوماسيين الاتراك يقولون انه يَبعُد كيلومترين او ثلاثة. وحتى لو صحّ قولهم فإنه لا ينفي قدرة حكومتهم على التعاطي بجدية اكبر مع الخطف.
هل يبرر ذلك تهديدات اهل الرهائن، والذين خلفهم، باختطاف الديبلوماسيين الاتراك في بيروت والكتيبة التركية العاملة في اطار quot;اليونيفيلquot; في الجنوب؟
طبعاً لا. والتذاكي الذي مارسه في هذا الشأن الشيخ المعمَّم زغيب المُكلَّف من quot;المجلس الاسلامي الشيعي الاعلىquot; متابعة تحرك اهل المخطوفين، بقوله ان الخطف سيكون quot;استضافةquot; تماماً مثلما يقول quot;الخاطفquot; ابو ابرهيم، هذا التذاكي ليس في محله. فخطف بعثة ديبلوماسية او فرد منها في عاصمة يرتب مسؤولية دولية كبيرة على الخاطفين. فهو يضع هؤلاء ومن وراءهم quot;وشعبهمquot; في مواجهة مع الدولة. واذا كانت غير موجودة، كما قال الخاطفون، وهي فعلاً كذلك، فان المواجهة ستكون بين هؤلاء وشعوب لبنانية اخرى. وعواقب ذلك وخيمة. اما خطف الكتيبة التركية او بعضها فقد يؤدي الى انسحاب quot;اليونيفيلquot; بقرار دولي، والى اطلاق الاضواء الخضراء امام اعمال عسكرية ضد لبنان وخصوصاً إذا اخفق جيشه العامل معها في منع الاختطاف، او اذا تعاطف مع الخاطفين. والانسحاب قد يلغي عملياً القرار الدولي 1701 الذي لا يُنكِر لبنان ومعه quot;حزب اللهquot; المقاوم وشعبه المعسكَر انه منع الحرب الاسرائيلية على لبنان ست سنوات حتى الآن. ولا ينفع القول ان اسرائيل تُعدُّ لضرب quot;الحزبquot; ولبنان منذ هزيمتها في الـ2006 تخفيفاً للآثار السلبية الضخمة للهزيمة المشار اليها. كما لا ينفع القول ان quot;الحزبquot; يمتلك قوة رادعة تجعل اسرائيل تُفكِّر كثيراً قبل الاعتداء عليه وعلى لبنان. ذلك ان قيادته تعرف، وقد قالت ذلك قبل أيام، ان توازن quot;الردعquot; لا يعني ان اسرائيل لن تشن حرباً. ويعني هذا الامر ان quot;الحزبquot; لا يزمع شن حرب على اسرائيل او استدراجها الى حرب. لكنه سيدافع وهو قادر على ذلك. وهذا حقيقي، لكن الا يشكل quot;التطنيشquot; او ربما التشجيع الى مبادلة الخطف بالخطف على النحو الذي قاله الشيخ زغيب استدراجاً الى حرب؟
في النهاية آلمنا خطفُ اللبنانيين ويؤلمنا خطف اي لبناني. لكن على الجميع ان يدركوا ان استقتال quot;قادةquot; الشعوب اللبنانية لاستثمار بل لاستغلال الخطف لتحقيق اهداف سلطوية وخاصة واستمرارهم في ذلك، قد يكون ادخل قضية الخاطفين في صلب الحرب الدائرة في سوريا، وفي صلب المواجهة الدائرة بين واشنطن واوروبا وغالبية العرب والمسلمين من جهة وموسكو وايران وجزئياً الصين من جهة اخرى.