خيرالله خيرالله

هل من امل في ان تستوعب القاهرة ان غزة تحولت، منذ وضعت laquo;حماسraquo; يدها عليها، laquo;بؤرة للارهابraquo; وان خطر هذه البؤرة يتجاوز حدود القطاع وصار يشكّل تهديدا مباشرا للامن المصري؟
ما حصل قبل ايّام عند ممر رفح، وهو معبر حدودي بين قطاع غزة الفلسطيني والاراضي المصرية، اكثر من طبيعي. تحصد مصر ما زرعته في غزّة لا اكثر ولا اقلّ. فالهجوم الآثم الذي تعرّضت له العناصر العسكرية المصرية في موقع قريب من المعبر الحدودي داخل الاراضي المصرية كان متوقعا في ضوء التراخي الذي ميّز في السنوات القليلة الماضية مواقف القاهرة من قطاع غزّة الذي كان حتى العام 1967 تحت الادارة المصرية.
لم يكن التراخي المصري تجاه غزّة ابن البارحة. بدأ قبل فترة طويلة في عهد الرئيس حسني مبارك والاجهزة الامنية التابعة للنظام المصري والتي كان الشخص الابرز فيها اللواء عمر سليمان الذي توفّي أخيرا.
كان الديبلوماسيون الغربيون في القاهرة يقولون في السنوات الاخيرة التي سبقت انهيار نظام مبارك ان الجانب المصري يمتلك افضل المعلومات عن غزة. كانوا يشيدون بعمل الاجهزة المصرية ويقولون ان الدول الاوروبية المهتمة بما يدور في القطاع تستقي معلوماتها من المصريين. لكنّ هؤلاء الديبلوماسيين كانوا يشيرون في الوقت ذاته الى ان من هم على رأس الاجهزة الامنية المصرية، مثلهم مثل القيادة السياسية، لا يعرفون كيف الاستفادة من المعلومات المتوافرة. اكثر من ذلك، كان هؤلاء يشكون من عجز القيادة السياسية المصرية وقادة الاجهزة الامنية، على خلاف الضباط العاملين على الارض، من تقدير خطورة الوضع في غزة وتأثيره السلبي على الداخل المصري.
في عهد مبارك، خصوصا في السنوات العشر الاخيرة منه، كانت مصر متلهية بمصر. كان هناك همّ اكبر بكثير من غزة هو هم التوريث. في غضون ذلك، كانت الاجهزة الامنية، تؤدي دورها والمطلوب منها بكفاءة عالية، ولكن من دون ان يكون على رأسها عقل سياسي وامني، في آن، يعرف ان اي تهاون مصري في غزة ستكون له نتائج سيئة داخل مصر نفسها...
لم تستوعب مصر- مبارك معنى الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد من غزة في العام 2005. لم تستوعب استمرار فوضى السلاح في القطاع. لم تستوعب خصوصا ان الانقلاب الذي نفّذته laquo;حماسraquo; في غزة منتصف العام 2007 كان موجها الى مصر ايضا وليس الى السلطة الوطنية الفلسطينية المغلوب على امرها فقط. اكثر من ذلك، لم يكن في القاهرة من هو قادر على تقدير الاخطار الناجمة عن تحوّل laquo;حماسraquo; الى ميليشيات مسلحة مستقلة كلّ منها عن الاخرى، وان بعض هذه الميليشيات على علاقة مباشرة بقوى اجنبية، بينها ايران وادواتها، وهو معاد لمصر ولايّ دور مصري او عربي في المنطقة.
كانت مصر ولا تزال في عالم آخر. لم تكن في القاهرة في السنوات القليلة الماضية شخصية سياسية قادرة على قول الكلام الذي يجب ان يقال عن غزة وذلك حفاظا على حقوق الفلسطينيين من جهة وامن مصر وسلامتها من جهة اخرى. لم يوجد من يقول صراحة ان الشعارات التي رفعتها laquo;حماسraquo;، ولا تزال ترفعها laquo; الى اليوم، لا تخدم سوى الاحتلال الاسرائيلي. بكلام اوضح، لم يوجد في مصر من يقول ان اسرائيل انسحبت من غزة من اجل الامساك بطريقة افضل بالضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وان كلّ ما قامت به laquo;حماسraquo; الى الآن يصب في خدمة المشروع الاسرائيلي.
هل يتغيّر شيء في القاهرة بعد الهجوم الاخير الذي شنته عناصر ارهابية، انطلاقا من غزة، وادى الى مقتل جنود مصريين؟
من الواضح ان الرئيس محمد مرسي وlaquo;الاخوان المسلمينraquo; الذين اوصلوه الى الرئاسة يشعرون بالحرج، خصوصا ان laquo;حماسraquo; جزء من حركة الاخوان وقد اظهرت، الى الآن، حماسة شديدة للتغيير الذي شهدته مصر وراحت تستقوي بها الى ابعد حدود.
لا بدّ من الاعتراف بانّ الرئيس مرسي قال كلاما قويّا بعيد العملية الارهابية التي استهدفت جنودا مصريين. لكنّ هذا الكلام غير كاف لسبب واحد على الاقلّ هو انه لم يدن laquo;الارهابraquo; الذي صارت غزة مصدرا له. تحدّث عن laquo;اجرامraquo; وlaquo;غدرraquo;، لكنه لم يشر الى laquo;الارهابraquo; تحديدا. لم يشر خصوصا الى ان laquo;حماسraquo; مصدر الارهاب لا اكثر وان كلّ الحركات المتطرفة الاخرى التي تزايد عليها احيانا، انما ولدت من رحمها.
من دون التصرف من منطلق ان غزة صارت مصدرا للارهاب الذي يهدد مصر لا فائدة من اي نوع من التهديدات والتحذيرات يطلقها الرئيس المصري. كلّ ما عدا ذلك هرب من الواقع ومحاولات لطمأنة laquo;حماسraquo; وتفادي تحميلها اي مسؤولية عن الوضع في غزة. الاهمّ من ذلك، ان مسايرة laquo;حماسraquo;، من منطلق ان العلاقة معها هي علاقة laquo;اخوانraquo; بـ laquo;اخوانraquo;، لا يحلّ اي مشكلة بل يزيد الوضع في القطاع سوءا...
ربّما تكمن المشكلة في انّ هناك مصلحة مصرية في بقاء laquo;حماسraquo; في السلطة، اي مسيطرة على غزّة، وبقاء الوضع على حاله بين الفلسطينيين من زاوية ان هناك تحالفا بين الجانبين من جهة وان laquo;حماسraquo; ليست سوى الامتداد الفلسطيني للاخوان المصريين من جهة اخرى!
في النهاية، تحتاج مصر حاليا هي الى رجال يفرّقون بين مصلحة الدولة ومصلحة الحزب الحاكم. عندئذ يصبح في الامكان القول ان القاهرة بدأت تعي معنى بقاء الوضع في غزة على ما هو عليه ومخاطر ذلك عليها. كذلك، سيعني ذلك انها بدأت تعي ان استمرار الوضع الراهن في القطاع لا يستهدف القضاء على ما بقي من القضية الفلسطينية بمقدار ما انه يفتح الابواب على مصراعيها امام انتشار الارهاب في كلّ سيناء انطلاقا من غزّة.
هل في مصر من يفرّق بين مصلحة الدولة وتطلعات laquo;الاخوان المسلمينraquo; وطموحاتهم الى تولي السلطة وشبقهم لها؟