راجح الخوري

لا يحمل المسار التدميري للحرب المتدحرجة في سوريا أي مؤشرات على امكان الحسم العسكري سواء لمصلحة النظام او لمصلحة المعارضة، لكنه بدأ في الاسابيع القليلة الماضية يحمل مؤشرات على اقتناعات متزايدة عند داعمي النظام، أي روسيا والصين وايران، بأن لا مفر من عملية انتقال سياسي جادة تنهي حكم الاسد وتحفظ مؤسسات الدولة من الانهيار على ما حصل في العراق عام 2003.
منذ تفجير دمشق وانشقاق رئيس الحكومة وعدد من كبار الضباط غابت روسيا عن quot;المسرحquot; وشرعت في اعادة حساباتها، فلم يعد الحديث عن quot;الارهابيينquot; يشكل ذريعة مقنعة للاستمرار في دعم نظام يتداعى من الداخل، في موازاة ذلك برز تركيز ايراني متزايد على ضرورة الحوار والحل السياسي وبدأت طهران محاولات جادة لفتح حوار مع المعارضة، ولم يكن اجتماع الدول ذات quot;النظرة الواقعيةquot; الى ما يجري في سوريا الذي نظمته إلا محاولة لتزخيم البحث عن حل سياسي.
ولأن الحل السياسي يحفظ للروس والايرانيين مصالح الحد الادنى مع سوريا ما بعد الاسد، وفي المقابل لأن اميركا والدول الاوروبية ودول الاقليم وخصوصاً تركيا تخشى انزلاق المنطقة كلها الى الحروب الاهلية التي قد تجر الى صراع دولي، كان واضحاً ان هناك تقارباً في وجهات النظر بدأ في الكواليس بحثاً عن مخرج يحتاج الى تعاون الطرفين، فكما على اصدقاء النظام ان يضغطوا عليه لتنفيذ الحل، على خصومه ان يضغطوا على المعارضة لدفعها الى قبول هذا الحل.
على اساس كل هذا اخترت لمقال امس عنوان quot;عودة أنان على بساط يمنيquot;، بمعنى الاشارة الى مؤشرات متزايدة على معالم اتفاق دولي واقليمي يرتكز الى محاولة جادة ومتفق عليها لتطبيق الحل اليمني في عملية الانتقال السياسي في سوريا. وبعد اقل من عشر ساعات وصلت اخبار من الامم المتحدة عن اختيار بان كي مون الديبلوماسي الجزائري الاخضر الابرهيمي لخلافة كوفي انان كمبعوث دولي وعربي الى سوريا.
والابرهيمي، الذي عمل وسيطاً للامم المتحدة في افغانستان والنزاعات الدولية ومبعوثاً عربياً لحل الازمة اللبنانية ايام الحرب، لا يزيد خبرة عن أنان بالطبع لكن ظروف الخلافات الدولية ومنطق quot;الفيتوquot; والتعقيدات التي شكا منها انان وافشلته قد تغيرت تقريباً، اولاً بسبب فشل الحل الامني، وثانياً بسبب التآكل المتزايد في النظام من الداخل، وثالثاً بسبب اعادة حسابات الربح والخسارة عند الدول التي انحازت الى النظام.
ويمكن الجزم منذ الآن أن الابرهيمي سيضع لمساته وربما بعض التعديلات على خطة أنان، اولاً بسبب المتغيرات الميدانية والسياسية التي حصلت في الاشهر الخمسة الاخيرة، وثانياً بسبب خبرته في السيكولوجيات العربية ومشاكلها!