محمد شوقى

لا شك أن جريمة الاعتداء علي قوات حرس الحدود المصرية في رفح والتي أسفرت عن استشهاد ستة عشر ضابطا وجنديا منهاrlm;,rlm; فضلا عن إصابة سبعة آخرينrlm;,rlm;


إنما تمثل اشارة في غاية الوضوح إلي حالة عدم الاستقرار والفراغ الأمني الذي تعاني منه سيناء والذي ظهر بجلاء في مواقف عديدة من بينها التفجيرات المتتالية لخط أنابيب الغاز وغيرها.
وهو ما يثير مرة أخري مسألة وجوب إعادة النظر في معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وملاحقها الأمنية, لتعديلها بما يسمح بزيادة أعداد القوات المصرية وأنماط تسليحها وانتشارها علي الحدود, علي نحو يفي باحتياجات الأمن القومي وبمتطلبات الحماية الواجبة لهذه الحدود. والحق أن إعادة النظر في المعاهدات أو تعديلها, بعد فترة قد تطول أو تقصر من وقت توقيعها, هي من طبائع الأمور التي تفرضها المتغيرات الدولية, ومن ثم كانت من المسائل التي عالجها القانون الدولي للمعاهدات علي نحو ما جاء في اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام1969, حيث نصت المادة التاسعة والثلاثون منها علي أنه' يجوز تعديل المعاهدة باتفاق أطرافها...'. وهو ذات ما أكدته الفقرة الرابعة من المادة الرابعة من اتفاقية السلام المصرية ــ الإسرائيلية بنصها علي أن' يتم بناء علي طلب أحد الطرفين إعادة النظر في ترتيبات الأمن المنصوص عليها في الفقرتين2,1 من هذه المادة وتعديلها باتفاق الطرفين'.
إذا كان تعديل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ــ شأن كل المعاهدات الدولية ــ يستدعي اتفاقا علي هذا التعديل من طرفيها, وهو ما يعني أن اعتراض أحدهما علي التعديل يحول دون إتمامه, فإن ثمة طريقة أخري لإعادة النظر في المعاهدات أو تعديلها أو حتي انهائها من جانب واحد عند الضرورة, هي تلك المرتبطة بقاعدة التغير الجوهري للظروف. وأساس هذه القاعدة أن التطورات التي تطرأ علي العلاقات الدولية قد تحمل من التغير في الظروف ما يجعل المعاهدة التي كانت تبدو وقت إبرامها ضرورية ومتفقة في أحكامها مع مقتضيات الانصاف والتوازن, تغدو مع هذه الظروف الجديدة غير مستجيبة في أحكامها لحقوق الاطراف وواجباتهم ومصالحهم المتبادلة. فتتحول من ثم مع هذا التغير في الظروف من معاهدة نافعة إلي معاهدة ضارة, ومن عامل استقرار إلي عامل إضطراب في علاقات أطرافها, وذلك لزوال التوازن بين المصالح المتعارضة التي نجحت المعاهدة عند عقدها ابتداء من التوفيق بينها. وهو حال معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الآن دون أدني شك.
من البدهي أن تغير الظروف لا يثير مشكلة حال تسليم الدول الأطراف في المعاهدة بأنها لم تعد تتلائم مع الظروف الجديدة. ولكن المشكلة تثور, علي نحو حاد, في الأحوال التي يطالب فيها أحد الأطراف في المعاهدة الطرف الآخر بالوفاء بالتزاماته المترتبة عليها, علي الرغم من ادعاء هذا الأخير بتغير الظروف تغيرا جوهريا. وتنبئ الممارسة الدولية أن الادعاء بتغير الظروف تغيرا جوهريا, والمطالبة علي أساسه بانقضاء المعاهدة هو من الأمور التي يكثر الالتجاء إليها في إطار العلاقات الدولية.
إذا كانت الفقرة الأولي من المادة الثانية والستين من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات قد حددت لجواز الاستناد إلي التغير الجوهري غير المتوقع في الظروف التي كانت سائدة عند إبرام المعاهدة كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها شرطين أساسيين هما:

أ) أن يكون وجود هذه الظروف التي أصابها فيما بعد التغير الجوهري قد كون أساسا هاما لارتضاء الأطراف الالتزام بالمعاهدة.
ب) أن يترتب علي هذا التغير الجوهري تبديل جذري في نطاق الالتزامات التي يجب أن تنفذ مستقبلا طبقا للمعاهدة. وهي المعاني التي ذهبت إليها محكمة العدل الدولية في حكمها في قضية المصايد الايسلندية في الثاني من فبراير1973 حين قررت أن التغير في الظروف الذي يمكن اعتباره جوهريا أو حيويا, هو ذلك الذي يمكن أن يهدد بالخطر وجود أحد الأطراف أو يمس مصالحه الحيوية. وذهبت إلي اشتراط أن تؤدي تلك الظروف الجديدة إلي تغيير جذري في نطاق الالتزامات التي ما زالت في مرحلة التنفيذ, بحيث يغدو تنفيذها ثقيل الوطأة علي الدولة الطرف علي نحو يختلف تماما عن الصورة التي كانت عليها في البداية.
وإذا كانت الفقرة الثانية من ذات المادة الثانية والستين قد جعلت الاستناد إلي التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها غير جائز في حالة المعاهدات المنشئة للحدود, وفي حالة ما إذا كان التغير الجوهري هذا قد نتج عن اخلال الطرف ــ الذي يستند إليه ـ بالتزام طبقا للمعاهدة. وبتطبيق ما تقدم علي معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية نجد ان ثمة تغيرا جوهريا غير متوقع في الظروف قد أصابها, ترتب عليه تبدل جذري في نطاق الالتزامات الواقعة علي عاتق مصر, علي نحو أصبح يهدد بالخطر وجودها ويمس مصالحها الحيوية, دون أن يكون لها يد فيه. ومن ثم تنطبق الشروط والقيود الخاصة بقاعدة التغير الجوهري للظروف علي هذه الحالة إنطباقا كاملا.
وإذا قيل إن المعاهدات المنشئة للحدود مستثناة من تطبيق هذه القاعدة, حفاظا علي السلم والأمن الدوليين ولضمان استقرار العلاقات الدولية. فإن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ليست في حقيقتها منشئة للحدود بين مصر وإسرائيل, ولكنها كاشفة فقط عما كان حدودا بين مصر وولاية فلسطين في ظل الحكم العثماني الذي كانتا تخضعان له, وهو ما أكدته الفقرة الثانية من المادة الثانية من الاتفاقية بنصها علي' إن الحدود الدائمة بيم مصر وإسرائيل هي الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب'.
الواقع أنه, ودون أن نغفل أن المسألة في علاقة مصر بإسرائيل ليست علي هذا النحو من البساطة والوضوح القانوني, وأنها علاقات لاتحكمها اعتبارات المنطق القانوني والعدالة فحسب, وإنما تحكمها اعتبارات سياسية واستراتيجية وأمنية أبعد من هذا بكثير. فإنه يبقي التفكير فيما أثرناه في هذا المقال مدخلا من مداخل عديدة يتعين علي الدولة المصرية أن تسلكها من أجل ضمان سيادتها وأمنها القومي, مع التأكيد في ذات الوقت علي التزامها بتعهداتها الدولية شريطة ألا تمس بهذا الأمن وهذه السيادة.