وجدي زين الدين

مهما قاوم النظام السوري ومهما تلقي دعماً من إيران أو روسيا أو الصين، فإنه سيسقط، ليس فقط لأن المعارضة والجيش الحر لديه اصرار علي ذلك، وإنما هناك سبب أعم وأشمل، وما أقوله ليس تقليلاً من المعارضة السورية أو المقاومة التي تكبد النظام السوري يومياً خسائر فادحة..

السبب الذي أعنيه هو أن المنطقة العربية التي تشهد حالياً ما يطلق عليه الربيع العربي، ليس هو الأول من نوعه إنما سبقه قبل ذلك ربيع آخر كان منذ عام 1914 قبل بدء الحرب العالمية الأولي أي منذ حوالي مائة عام والتي أعقبها اتفاقية laquo;سايكس بيكوraquo; التي قسمت الدول العربية تحت الانتداب أو الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي، وفي بدايتها صدر وعد بلفور عام 1917 الذي سمح بإنشاء وطن لليهود في فلسطين وبعدها بحوالي ثلاثين عاماً تم الإعلان رسمياً عن انشاء الدولة اليهودية.

لا أحد ينكر علي الإطلاق أن كل الثورات التي وقعت مؤخراً في العالم العربي ضد القهر والظلم والطغيان، ومن حق شعوب هذه الدول أن تثور في وجه حكامها الذين أنزلوا بهم القهر والذل والاستعباد.. لكن لو تم التفحص جيداً في هؤلاء الحكام الذين يحكمون الأمة العربية، فإن التاريخ يؤكد أن الدول الاستعمارية التي أرادت أن تقضي علي الامبراطورية العثمانية هي من أتت بهؤلاء الحكام إلي مواقعهم التي يثور الشعب الآن في وجههم ومنهم من سقط ومنهم من يقاوم.. فالذين ثبتوا حكم الأسرة العلوية في سوريا وأتوا بعائلة الأسمر لتحكم البلاد.. هو الاستعمار نفسه لأن هذه العائلة كانت تخدم مصالح الدول الاستعمارية.. ليس لأن العلويين هم الغالبية من سكان سوريا وإنما هم لا يتعدون نسبة اثني عشر في المائة من سكان سوريا.

اتفاقية laquo;سايكس بيكوraquo; التي حددت خريطة الوطن العربي، فمنذ حوالي مائة عام، هي نفسها الاتفاقية التي حددتها الصهيونية العالمية في عصرنا الحديث بإعادة توزيع الخريطة العربية مرة ثانية، وفي المرة الأولي منذ قرن ثم انشاء دولة اسرائيل، لكن هذه المرة تعتمد علي تفتيت كل دولة عربية إلي دويلات عرقية مذهبية، وليس خافياً علي أحد ما حدث في السودان الذي أصبح دولتين واحدة في الجنوب، وثانية في الشمال وتنتظر هي الأخري التقسيم إلي دولتين، وكذلك العراق الذي في طريقه إلي أن يكون 3 ديولات واحدة كردية وثانية شيعية وثالثة سنية وكذلك الحال في ليبيا التي ينتظر أن تكون امارات مختلفة ومازال الحبل علي الجرار مع باقي الدول العربية بدون استثناء.. وكل دولة عربية تنتظر هذا المصير المشئوم، فلا اليمن استقر بعد خلع الرئيس علي عبدالله صالح ولا سوريا بنظامها الحالي تستطيع أن تقاوم أكثر من ذلك.. فالمظاهرات المشروعة التي خرجت في أنحاء سوريا منذ حوالي ثمانية عشر شهراً، تحولت إلي قوة مسلحة أطلق عليها الجيش الحر الذي يتلقي الدعم العسكري الشامل من تركيا ويكبد النظام السوري الذي يحكم بالحديد والنار خسائر فادحة يومياً، ومهما صبر النظام السوري فالمصير المحتوم هو السقوط، وتفتيت سوريا ما بين سنة وشيعة وعلويين الذين هم طائفة من الشيعة.
لمصلحة من كل هذه الأحداث الدراماتيكية التي يشهدها الوطن العربي؟ لا أحد مستفيداً من كل ذلك سوي الاستعمار أو بالأحري الصهيونية العالمية التي تخطط مع عظيم الأسف باقتدار لأن تحكم العالم أجمع، ولا يقلق الصهيونية الولايات المتحدة التي سيكون عليها الدور في الانهيار وتفريقها إلي ولايات. متقطعة ويبقي أمام الصهيونية العالمية الدول التي تشكل محوراً جديداً صاعداً وهي إيران والصين وروسيا والتي ستشكل فيما بعد محوراً أشمل يضم دول أوروبا الشرقية ودول أمريكا الجنوبية.. وهم ما يطلق عليه في التاريخ القديم laquo;الدولةraquo;، ولن يواجه الصهيونية إلا هؤلاء، وستضطر الدول العربية والإسلامية إلي التحالف مع هذا المحور الجديد الصاعد، والبداية بدأت بهذا التحالف الإيراني الروسي الصيني يضاف إليها فنزويلا.. وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالي laquo;غلبت الروم في أدني الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبونraquo;.. وقد غلبت هذه الدول فيما مضي من التاريخ وحتي الآن ويبقي أن يأتي الدور الذي سيغلبون فيه.
وهذا هو سر التعاطف والمناصرة الايرانية الروسية الصينية الآن مع سوريا، ليس لأن إيران شيعية وهي تناصر العلويين في سوريا، وإنما لأن طريق الصهيونية إلي يران يمر عبر دمشق، وليس لأن روسيا تمتلك ميناء وحيداً لها علي المتوسط في سوريا وإنما لأن الروس يعرفون الحقائق الجديدة في انهيار أوروبا الغربية والولايات المتحدة والمتوسط هو الموقع الوحيد الذي تشن منه روسيا الحرب علي أمريكا.. والاستعجال في سقوط سوريا رغم حق المعارضة في الثورة ضد الظلم والطغيان يعجل في تنفيذ اتفاقية laquo;سايكس بيكوraquo; الثانية وإعادة تشكيل الخريطة العربية الجديدة.