عبيدلي العبيدلي

ربما يشكل السادس عشر من آب 2012 يوما مشهودا في تاريخ الحضور الدبلوماسي العربي في العلاقات الدولية، إذا اعتبرنا تعيين السياسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي خلفا للمندوب الدولي العربي للأزمة السورية كوفي أنان، ومن ثم اعترافا بوصول هذا الأخير إلى طريق مسدود دفعه إلى رفع رايته البيضاء وتقديم استقالته من المهمة المكلف بها، كي يحل مكانه الإبراهيمي.
أول تساؤل يرد على ذهن من تابع الأزمة السورية، وفي خضم أحداثها مساعي كوفي أنان هو: هل سيكون الإبراهيمي أفضل حظا من أنان، ومن ثم ينجح هو حيث أخفق من سبقه؟
عندما نطالع السيرة الذاتية للمندوبين: الإبراهيمي وأنان، سنكتشف أن الاختلافات بينهما تكاد لا تذكر. فقد بدأ الإبراهيمي رحلته الدبلوماسية في النصف الأول من العام 1954، عندما اوكلت له مهمة تمثيل جبهة التحرير الجزائرية، في جاكرتا، التي كانت- الجبهة - لا تزال حينها تواصل نضالها لإخراج المستعمر الفرنسي من الجزائر، ثم أصبح، في العام 1984 مسؤولا ساميا للجامعة العربية، فمبعوث للأمم المتحدة في لبنان في العام 1989، ويقال إنه بصماته كانت واضحة، وشكلت أحد العوامل المهمة التي قادت إلى توقيع اتفاق الطائف الذي ساهم في نيل شبه إجماع على حل الأزمة اللبنانية. وكان الإبراهيمي أيضا مبعوثا دوليا لأفغانستان، وأخيرا أرسل للعراق بعد اجتياحه من قبل القوات الغربية في العام 2003. باختصار تقلد الإبراهيمي مجموعة من المناصب الدولية لحل الأزمات وضعت بين يديه خبرة غنية في التعامل مع معضلات معقدة، لا تقل صعوبة عن الحالة السورية. ومن ثم فعلى المستوى الشخصي، يتمتع بكل المؤهلات الدبلوماسية التي تبيح له القبول بالمهمة، وبالتالي، وعلى المستوى الذاتي المحض، تبعث الأمل في إمكانية التوصل لحل الأزمة السورية، خاصة وأنه يتفوق على أنان بأصوله العربية التي تمكنه من التعاطي مع الأطراف العربية، والسير في دهاليزها، بمهارات أفضل.
بالمقابل نجد أن كوفي أنان، رغم استقالته، لم تكن تعوزه الخبرة والمهارات الذاتية، التي توثقها العديد من المصادر العالمية. فقد كان يشغل، قبل أن يعين مندوبا دوليا عربيا لحل المشكلة السورية، منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وفي العام 1993، كان أنان يعمل كنائب الأمين العام للأمم المتحدة لعلميات حفظ السلام. وفي العام 1996 عمل في منصب نائب الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، الذي تقلده quot;بعد شغله لمنصب المبعوث الخاص للأمين العام في يوغسلافيا ومنصب المبعوث الخاص لمنظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) وذلك خلال الفترة التي أعقبت التوقيع على اتفاق دايتون (Dayton) للسلامquot;. وصل أنان إلى كل تلك المناصب الدبلوماسية الدولية بعد تقلده مجموعة من الوظائف في الحقل الدبلوماسي العالمي، حيث quot;خدم كوفي أنان الأمم المتحدة في العديد من المناصب الأخرى في أماكن متعددة من العالم منها مصر، أديس أبابا ونيويورك مكرساً ما يقرب من ثلاثين عاماً من عمره في خدمة المنظمة الدوليةquot;. وعلى المستوى العمل الدبلوماسي في المنطقة العربية، كان أنان، مندوب الأمين العام للأمم المتحدة للكويت في أعقاب الغزو العراقي لها في العام 1990. ويحفظ لأنان محاولته الجريئة حين وقف، عندما شغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة وراء quot;خطة إصلاحية للأمم المتحدة quot; والتي تمت الموافقة عليها بواسطة الجمعية العامة في 1997.
كل تلك الإمكانات الذاتية لـ quot;كوفي أنانquot;، لم تكن كافية كي توصله إلى خط النهاية في سباق quot;الأزمة السوريةquot;، التي يبدو أنه فضل عدم الاستمرار فيه، واختار الاستقالة، بعد أن أكد ان الحل ليس محصورا في أطراف الصراع المحليين فحسب، بل يتجاوزه إلى الصراعات الدولة، التي ما لم يتم الاتفاق بين أطرافها، يبقى الأمل في إنهاء الأزمة ضعيفا. ولم يكن ذلك بخاف على الإبراهيمي، الذي نقلت عنه وكالة quot;رويترزquot;، تردده quot;لعدة ايام في قبول العرض من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لشغل المنصب، لا يريد أن يظهر بصفته مجرد بديل لعنان لكنه يريد تفويضا معدلا ولقبا جديداquot;.
إذا تجاوزنا العناصر الذاتية للمندوبين أنان والإبراهيمي، ووصلنا إلى quot;الحالة الذاتية للأزمة السوريةquot;، نجد أن انطلاقة الإبراهيمي أسوأ، في حقيقة الأمر، من بداية أنان، حيث لا تزال الأطراف السورية والدولية تتمترس وراء مواقفها التي ترفض التنازل عنها، وهو أمر لم يكن بهذ الشدة من الوضوح، عندما تسلم أنان مهمته. هذا الوضوح في المواقف يضاعف من تعقيد الأزمة، في وجه الإبراهيمي، ولا يعمل لصالح لحلها، إذ لا يبدو في الأفق رغبة أي من الأطراف التقدم خطوة للأمام على طريق حل وسط.
فعلى المستوى الداخلي السوري المحض، يصر الرئيس بشار على بقائه في السلطة، رغم كل الرفض الشعبي له، والانشقاقات المتلاحقة التي وصلت إلى أعلى الدوائر فيها، ولا يعد بأكثر من إصلاحات طفيفة، فيما لو وافقت الأطراف المعارضة بمختلف تلاوينها، على وقف الخيار العسكري، والجلوس إلى طاولة المفاوضات. مقابل ذلك، ترفض تلك الأطراف أي حل وسط، وتصر على موقفها المطالب بإسقاط النظام. من هنا لا تلوح في الأفق بارقة أمل توحي بحل توفيقي بين طرفي النزاع المحليين.
المشهد ذاته يتكرر عند تشخيص المواقف الدولية التي لم، ولا يبدو ان هناك نية لدى أي منها، يتزحزح الطرفان عن مواقفهما من quot;الحالة السوريةquot;، فبينما تصر الولايات المتحدة، ومن ورائها كتلة quot;الناتوquot;، على انه ليس هناك حل قبل إزاحة الأسد، وحينها يمكن التفكير في صيغ أخرى، نجد ان المحور الروسي - الصيني، يتمسك بموقفه المنطلق من مشاركة الأسد في أية صيغة مستقبلية لترتيب البيت السوري، دون ان يقود ذلك إلى إزاحة من كرسي الحكم.
في ضوء كل ذلك، يبدو أن الإبراهيمي سوف ينفذ مهمته في طريق يشبه حقل ألغام محلية ودولية زرعتها فيها، بشكل مستقل أطراف الصراع السورية والعالمية، بل وحتى العربية، ومن ثم فهناك بصيص أمل ضعيف في أن ينجح الإبراهيمي العربي الأصول حيث أخفق نظيره الدولي كوفي أنان، ما لم يحدث انقلاب حقيقي في موازين القوى المتصارعة مصدره الأساسي إقدام أحد المحورين الدوليين بخطوة جريئة، ربما لا تكون محسوبة العواقب، يغلب أحد طرفي الصراع المحليين على الآخر. ولذا فمن غير المستبعد ان نشهد، في زمن يصعب تحديده، حالة قريبة جدا من تلك التي عرفناها في العراق، عندما قررت الولايات المتحدة، الزج بقواتها، والتدخل بسكل سافر في العراق، وحسمت الصراع بعد ان اطاحت بصدام. والعكس صحيح أيضا، فمن الخطأ إسقاط تدخل روسي، شبيه بذلك الذي قامت به موسكو في أفغانستان.
الأبواب مفتوحة امام كلا السيناريوهين، لكن ما هو أهم منهما هو النتائج التي ستتمخض عن أي منهما. فليست عراق اليوم بأفضل من عراق صدام، وليس أفغانسان الحاضر بأحسن من تلك التي أطاحت بها موسكو.