تسفي برئيل

'أروي لك نكتة أخرى في المرة القادمة'، يقول بالعربية الفصحى سفير مصر في تل أبيب لمحادثه الاسرائيلي، وكلاهما ينفجران ضحكا. السفير في المسلسل المصري 'فرقة ناجي عطاالله'، الذي يلعب فيه دور البطولة الممثل عادل امام هو رجل الاسرائيليين. فهو يقيم صداقة طويلة مع بائع السمك في السوق، يتصاحب مع صاحب المطعم الذي يدعى مزراحي، يتعامل مع وسيط شقق ويعرف من بعيد رئيس المخابرات. وهو ايضا من يأخذ الملحق الثقافي الجديد في السفارة في جولة في المدينة يعلمه من هم اليهود وما هي عادات الحلال لديهم.
لا، عادل امام، الممثل المجيد والمخرج الكفؤ الذي أصبح رمزا ثقافيا، لا يحب اسرائيل وسكانها على نحو خاص. اليهود في مسلسل 'فرقة ناجي عطاالله' يبدون بشكل عام مثلما في الكاريكاتورات اللاسامية. مع سوالف، لحى سميكة وأنف معكوف. المسلسل الذي يبث في شهر رمضان على شاشات التلفزيون المصري، يعنى بسفير (امام) والملحق الثقافي اللذين يقرران الانتقام من اسرائيل والسطو على أحد البنوك الكبرى فيها في هذه الحالة بنك لئومي، الذي وفر فيه السفير المال من رواتبه. وهو يجند شبانا كانوا تلاميذه، كل واحد خبير في مجال جنائي ما ومعا يقتحمون، يسرقون أموال البنك ويفرون عبر بضع دول الى أن يصلوا الى مصر.
في الاصل لم يخطط أبدا لان يصل المسلسل الى التلفزيون. رامي امام، ابن عادل، بدأ يخرج 'فرقة ناجي عطالله' كفيلم سينمائي منذ عهد مبارك. ولكن المشروع تلقى ضربات شديدة منذ بداية الطريق: في البداية قررت شركة الانتاج التراجع عن المشروع خوفا من خسائر كبيرة؛ بعد ذلك قطعت العلاقات التجارية بين امام والمنتج والصحفي عماد اديب، وأخيرا تقرر نقل الانتاج الى التلفزيون المصري. ولما كان عادل امام يعتبر ذخرا وطنيا في عهد النظام السابق، فقد خصص التلفزيون المصري نحو 70 مليون جنيه لاكمال الانتاج، شريطة أن يصبح الفيلم مسلسلا تلفزيونيا يبث في رمضان.
كان هذا قرارا صعبا على امام. فنحو 30 سنة لم يظهر على شاشات التلفزيون، الذي اعتبره أداة دون لفنه وفضل المسرح والسينما. ولكن الضغوط الاقتصادية، التي فرضت عليه تحويل الفيلم الى مسلسل كانت مجرد جزء من الشرح لاستعداده بثه على الشاشة الصغيرة. مع بداية الثورة اعتبر امام عدوا بسبب تصريحاته ضد الثوار وتمسكه بنظام مبارك الذي أحسن له. امام، الذي تعرض لتهديدات من المتظاهرين واضطر الى وقف تصوير المسلسل لفترة زمنية بسبب الاضطرابات، لم ينجح في اقناع حركات الاحتجاج بانه جزء منها. والحكم المصري المؤقت ايضا الذي قام بعد تنحية مبارك رأى فيه فلولا من العهد السابق وأجبره على تغيير حلقات وتعديل صياغات كانت فيها كي لا يمجد النظام السابق.

ومؤخرا تلقى امام ضربة قضائية بعد أن حكم عليه بالسجن لثلاثة اشهر وغرامة بمبلغ عشرة الاف جنيه مصري بسبب ما وصف كمس بالدين في بعض من الافلام التي اخرجها وانتجها في الماضي. وقد استأنف وهذا الاسبوع كان يفترض بمحكمة الاستئناف ان تحسم في قضيته. واذا كان هذا غير كافٍ، فقد فتحت مجموعة من الشباب حسابا على الفيس بوك دعت فيه الجمهور الى مقاطعة المسلسل الجديد الى جانب مسلسلات اخرى لامام تعد من مؤيدي نظام مبارك أو شجبت الاحتجاج الشعبي. ولكن امام ليس وحيدا في المعركة. تحت شعار 'فوزوا برمضان مبارك وقاطعوا المنافقين' يطالب المشاهدون بان يقاطعوا أيضا طلعت زكريا، الذي اقتبس عنه يقول ان الثوار هم عصبة فاشلين؛ الممثلة الهامة الهام شاهين، صابرين، غادة عبد الرازق وآخرون وكلهم أسماء كبرى لصناعة الترفيه المصرية.
ومع ان الدعوة لم تتغلب على التقاليد العائلية في مشاهدة البرامج التلفزيونية بعد الافطار ولكن مجرد الدعوة مقاطعة فنانين تدل على التأثير الهائل والمتواصل للثورة، التي أدخلت الفنانين في مشكلة. الكثيرون منهم يتساءلون كيف يتعين عليهم أن يعبروا عن التغييرات في المجتمع المصري. احدى المسائل التي تشغل بال المخرجين والمنتجين هي الشكل المناسب لعرض قوات الامن: من جهة وقعت اثناء الثورة قطيعة شديدة مع الشرطة التي اعتبرت عدوا ومن جهة اخرى اعتبر الجيش مؤيدا للثورة وحليفها. أحد المسلسلات المصرية الناجحة، 'خطوط حمراء' لاحمد شفيق، يصف الضحية الاضطرار الى التضحية لضابط شرطة (بتمثيل احمد السقا)، الذي قتلت زوجته انتقاما منه على مطاردته لمهربي السلاح. اما في مسلسل 'باب الخلق' فيقدم سجانون يتعاملون بشكل انساني مع السجناء.
وتعرضت هذه المسلسلات الى انتقاد شديد لتجاهلها التعذيب، المعاناة، الاهانة والقتل الذي أوقعته قوات الامن بالمتظاهرين. 'عشرات المواطنين ماتوا في التعذيب في السجون، دون أي برهان على جرائمهم'، كتب الناقد أشرف بيومي. 'انتهى هذا النوع من المسلسلات. فهو ليس مقبولا من الجمهور'، اضاف الناقد طارق الشناوي. إذ كيف يمكن تصور سجان انساني وشرطي بائس بعد الثورة؟


السباق نحو الثورة جلب بين اكنافه الكثير من الصراعات الشخصية. هكذا مثلا رفع كاتب السيناريو مجدي صابر طلبا الى وزير الثقافة بتأجيل بث المسلسل الذي كتبه الى ما بعد رمضان. المسلسل، 'ابن النظام'، يقدم وصفا عبثيا جدا لتطور الثورة ويعنى بفساد عائلة مبارك. وصابر لم يطلب فقط التأجيل، بل ذكر موعدا 6 اكتوبر، 'يوم النصر' لحرب يوم الغفران، اليوم الذي يجدر به بث مسلسله. 'المسلسل يصف فكرة النصر الوطني للشعب المصري على نظامه، مثلما تصف حرب اكتوبر فكرة الجيش المنتصر'، شرح يقول. ولكن خلف الطلب اختبأ احساس عميق بالاهانة من تحديد بث المسلسل في ساعات خارج نطاق المشاهدة المركزية كما يجدر بمسلسل يبحث في موضوع 'وطني من الدرجة الاولى'.
توجد أهمية هائلة لساعة البث وذلك لان معدل المشاهدة كفيل بان يقرر ايضا المستقبل الاقتصادي للممثلين، المخرج والمنتج. إذا ما دفن في ساعات الليل المتأخرة، فستقل جدا الفرص لبيعه لمحطات تلفزيونية عربية اخرى وجني الربح. وكيف سيعرفون الممثلين الجدد؟ ولماذا تستأجر شركات عربية اجنبية كاتب الالحان؟ واذا كان التلفزيون المصري قرر بن المسلسل غير مناسب لوقت البث الافضل، أفليس من الافضل بالتالي شطبه؟
هذه صناعة كثيرة المال. هذه السنة أنفقت شركات الانتاج 20 40 مليون جنيه مصري على كل مسلسل من نحو 30 حلقة، والتقدير هو أنها أنفقت هذه السنة نحو مليار جنيه بالاجمال على انتاج المسلسلات. قسم هام من النفقات هو اجر الممثلين الشهيرين الذي يتلقون بين مليون وخمسة مليون جنيه على المشاركة في المسلسل. وعندما يدحر المسلسل الى هامش الجدول الزمني للبث، سيجد المخرج صعوبة في تجنيد ممثلين كبار، الذين يختارون المسلسلات حسب العقد الذي يوقعونه والنشر الذي يحققونه.
واذا كانت الثورة في مصر حامت فوق طاولات التحرير والكتابة لمنتجي المسلسلات، فالمشكلة التي تحدت المخرجين والمنتجين في سوريا كانت انتاج مسلسلات تنجح في عكس الواقع الصعب دون المس بالنظام، الذي يمول قسما كبيرا منها. 'كيف يمكننا أن نمنح المشاهد، الذي يوجد هذه السنة في وضع نفسي يقترب من الاكتئاب باحساس بمستقبل أفضل، وكيف نمنع عنه الغرق في الخيال اذا لم تطرح اعمالنا الدرامية املا وتفاؤلا؟'، تسأل هنادي ابراهيم في مقال نشر في صحيفة 'الوطن' السورية، بملكية ابن خال الرئيس الاسد، رامي مخلوف. والجواب هو مسلسلات سورية جديدة تمتنع في معظمها عن العنف، اطلاق النار أو سفك الدماء.
في السنوات الماضية حققت المسلسلات السورية نجاحا هائلا وتنافست جيدا مع المصرية، ولكن هذه السنة أنتج التلفزيون السوري 23 مسلسلا فقط، مقابل نحو 70 مسلسلا مصريا. والنتيجة هي أن 'الممثلين خرجوا عن اطوارهم كي يضحكوا الجمهور، المضمون كان هزيلا وباعثا على السأم، وفي أغلب الاحوال رأينا عروض موضة للممثلات'، على حد قول الناقد السوري غيث خمور.
الكثير من الممثلين الرائدين في سوريا فروا بسبب الحرب الى دبي، وبعض من كتاب السيناريو الهامين، الذين انتجوا في الماضي اعمالا درامية تنتقد النظام لم يكن بوسعهم هذه السنة المشاركة في انتاج المسلسلات. عمليا، المسلسل الدرامي السوري الاكبر يظهر في مواقع الانترنت للمعارضة وفي النشرات الاخبارية لمحطات الفضائيات العربية.
من كانوا معفيين هذه السنة من الانشغال بالثورة هم كُتّاب السيناريو والمخرجون في اتحاد الامارات وفي السعودية. هناك واصلوا انتاج الاعمال الكوميدية والدرامية حول المواضيع العادية: مشاكل أسرة، علاقات الاهالي مع الابناء ومكانة المرأة. أعمال درامية كبرى لم تكن للمواطنين ولم تكن ايضا مثلها على الشاشة الصغيرة.
سؤال مشوق على نحو خاص سيتضح في الاسابيع القريبة، ولا سيما في مصر، عندما تبدأ شركات الانتاج في الاعداد لموسم رمضان القادم. فهل سيقلد الاخوان المسلمون مبارك ويفرضوا الرقابة الاخلاقية الدينية أم يتركوا الانتاج ليكون متنفسا للازمات الاجتماعية والاقتصادية.

صحف عبرية

هآرتس