حازم صاغية

إذا عدّدنا القوى والمرتكزات، الداخليّة والخارجيّة، التي تدعم النظام السوريّ، وجدنا أنّها تصطفّ في خانتين عريضتين: الانتساب على نحو أو آخر إلى laquo;التحرّر الوطنيّraquo; وزمنه، كائناً ما كان معنى التعبير هذا، والصدور عن الخوف.

ففي laquo;التحرّر الوطنيّraquo; وُلدت ونمت العلاقة العربيّة بروسيا (السوفياتيّة آنذاك) وبالصين. وعلى رغم أنّ روسيا تخلّت عن شيوعيّتها، والصين عن عالمثالثيّتها، بقيت العلاقة بهما تندرج في سياق التكتّل ضدّ laquo;الغربraquo; والولايات المتّحدة أو laquo;القطب الأوحدraquo;.

ثمّ في laquo;العداء للإمبرياليّةraquo;، وهو فرع من فروع laquo;التحرّر الوطنيّraquo;، وُلدت ونمت العلاقة بإيران الخمينيّة منذ نشأتها في 1979. وهذا، بالمناسبة، لا يعود إلى laquo;فارسيّةraquo; إيران بقدر ما يعود إلى انقلابها على laquo;فارسيّتهاraquo;. لكنْ أيضاً تحت قشرة laquo;التحرّر الوطنيّraquo; ولفظيّته، وُلدت ونمت العلاقة بـraquo;فصائلraquo; من طينة laquo;الجبهة الشعبيّة - القيادة العامّةraquo; الفلسطينيّة لأحمد جبريل وما يشاكلها من فرق لبنانيّة laquo;قوميّة وإسلاميّةraquo;، ثمّ بـ laquo;حزب اللهraquo; اللبنانيّ في العصر الذي صارت فيه إيران، بدلاً من الاتّحاد السوفياتيّ، فصيل الصدام المتقدّم مع laquo;الغربraquo;. وهذه جميعاً تقدّم خدمات متفاوتة الأهميّة، في سوريّة ولبنان وبين الفلسطينيّين، للنظام الأسديّ.

ولا نبالغ إذا قلنا إنّ الجيش السوريّ وأجهزة الأمن، وهي الركيزة الداخليّة الأولى والمباشرة لبقاء النظام، من تركة laquo;التحرّر الوطنيّraquo; إيّاه. فالجيش، في كونه laquo;جيشاً عقائديّاًraquo;، كما في تضخّمه العدديّ، وكذلك الأجهزةُ الكثيرة في إحكامها السيطرة على المجتمع وصبغه بصبغتها، هي من معالم زمن laquo;التحرّر الوطنيّraquo; وثقافته ونظرة قواه إلى الحكم والسلطة. وحتّى الأمس القريب كان الحزب الواحد ومنظّماته، وهو هنا حزب البعث، ركيزة للسلطة وثيقة الصلة بـ laquo;التحرّر الوطنيّraquo; وشعاراته المعلنة.

بيد أنّ الجيش تحديداً يقع أيضاً في الخانة الثانية، خانة الخوف بوصفه مصدراً في دعم النظام الأسديّ. فلم يعد سرّاً أنّ هذا الجيش إنّما يتماسك بالخوف الذي يضعه في موضع التضادّ مع أهله ومع تركيبته نفسها. والخانة إيّاها تضمّ أيضاً الأقليّات الدينيّة والمذهبيّة، والحسّ الأقلّيّ تالياً. وهنا، كذلك، تُحمل الأقليّات على الوقوف في مواجهة مع مجتمعها الأعرض، بل أيضاً مع الجوهر الديموقراطيّ والمساواتيّ للوعي الأقلّيّ ذاته.

لكنّ المفارقة في هذه الحال أنّ المسألة الأقلّيّة لم تتفاقم كما تفاقمت في ظلّ laquo;التحرّر الوطنيّraquo; وقواه المستبدّة والصاهرة للمجتمع بما يذيب كلّ خصوصيّة. وانعقاد التحالف الراهن بين المخيف والخائف فيه الكثير من الكذب ومن تزوير الوعي طبعاً، لكنّ فيه أيضاً أنّ زمن laquo;التحرّر الوطنيّraquo; وغيره من الشعارات الفضفاضة إنّما تحلّل في عصبيّات أهليّة، دينيّة وطائفيّة وإثنيّة. ومن معالم ذاك التحلّل أنّ النظام المدعوم هو نفسه تحوّل استطالةً لعصابة عائليّة وطائفيّة بطّاشة.

هكذا بات من الجائز القول إنّ الرواسب التاريخيّة، وقد بلغ بها التحلّل مبلغاً، هي التي تسند نظاماً منهاراً متداعياً، على نطاق يمتدّ من مجلس الأمن إلى القنص المتنقّل في الأحياء والحارات. وهو ما يستدعي، في مواجهته، وعياً متحرّراً من ذاك الماضي الكئيب، على رقعة تمتدّ، هي الأخرى، من مجلس الأمن إلى الأحياء والحارات ذاتها.