سمير الحجاوي

دخلت الثورة السورية في واحدة من أصعب مراحلها حاليا، فالثوار يواجهون آلة عسكرية ضخمة لنظام الأسد من طائرات ودبابات ومدفعية وصواريخ وأسلحة كيمائية، في حين لا يتوفر لهم أكثر من أسلحة خفيفة ومتوسطة في مواجهة غير متكافئة بين الطرفين وهو ما يؤثر على النتائج النهائية على الأرض.

ثوار الجيش الحر يبلون بلاء حسنا، ويواجهون قوات النظام بشجاعة وبسالة قل نظيرها، كما حدث في حي بابا عمرو الحمصي، وحي صلاح الدين الحلبي، واستطاع الثوار القتال في الحيين حتى استنفذت ذخيرتهم بالكامل، وهو ما استغرق شهرا تقريبا، ورغم هذه البسالة إلا أنهم اضطروا إلى الانسحاب من الحيين بسبب كثافة النيران واستخدام سلاح الجو والطائرات المقاتلة، وهذا يظهر المقدار الكبير من الخذلان الذي تعرض له الثوار من الجميع وتركهم يقاتلون النظام وحدهم دون مساعدة، الأمر الذي يكشف النفاق الغربي والتركي والعربي وعدم دعم الثوار بطريقة كافية للتصدي لكتائب الأسد المدججة بالسلاح والمدعومة من روسيا وإيران وحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية.

الغرب وتركيا ومعهم بعض العرب يلعبون بالدم السوري دون اكتراث للموت الذي يخيم على سوريا كلها، والدم السوري المتدفق لا يهمهم برسم خارطة الفعل على الأرض، وإنما يرسمها المصالح التي لا تعبأ بالدم السوري، هنا مربط الفرس، فواشنطن لا ترى فيما يجري في سوريا quot;مسألة أمن قومي أمريكيquot; وتريد سوريا مستقرة ضعيفة لا تشكل تهديدا لإسرائيل، كما يقول الدكتور غسان شبانة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة quot;ماريمونت مانهاتنquot; الأمريكية، وهذا يعني أن سوريا مجرد ورقة في لعبة المصالح الأمريكية- الإسرائيلية، وهذا يقرر الهدف النهائي الأمريكي الغربي الإسرائيلي، وهو إسقاط الدولة في سوريا وليس الإطاحة بالنظام، مما يقود حكما إلى تدمير الثورة عبر استخدامها أداة للوصول إلى إسقاط سوريا الدولة، وهو هدف تسير أوروبا في ركابه، يسعد إسرائيل، ويرضي روسيا والصين أيضا، فالغرب يريد سوريا مسيطرا عليها ليكون قادرا على التحكم بالنتائج على الأرض، وهي معادلة يفهمها نظام بشار الأسد فهما كاملا ويستغلها لصالحه عبر دفع أمريكا والغرب إلى الاقتناع أنه الخيار الوحيد، وأنه لا بديل عنه، وأن المعارضة المفككة المتشرذمة لا تشكل بديلا مقنعا وقادرا على إدارة دفة الحكم في سوريا، وأن إسقاطه يدخل البلاد في حالة من الفوضى غير المسيطر عليها.

يبدو أن واشنطن ولندن وباريس وأنقرة quot;تتفهمquot; وجهة نظر الأسد من الناحية العملية، ويظهر ذلك من خلال تجاوز هذه العواصم للمجلس الوطني السوري بصفته مظلة لمعظم المعارضة السورية والاتصال مع بعض القوى داخل سوريا، أي أن كل عاصمة من هذه العواصم تحاول إن تفتح quot;دكاناquot; لحسابها داخل سوريا على حساب المعارضة السورية، وتحاول أن تفتح حوارا مع quot;شركاء مقبولينquot;، وليس بالضرورة مع القوى الثورية الحقيقية التي تخوض المعركة ضد نظام الأسد.

مع الإقرار بحقيقة quot;بؤس المعارضة السورية في الخارجquot; بكل تلاوينها وأطيافها، إلا أن تجاوزها يقسم التواصل مع الداخل إلى quot;كانتوناتquot; خطيرة جدا، فكل عاصمة من العواصم ستتواصل quot;مع جماعتهاquot; في الداخل للتحكم بمفاصل الأحداث وترتيبها بالتالي على قياس المصالح الإسرائيلية أولا، والأوروبية- الأمريكية- الروسية ثانيا، بل والتفاوض مع إيران حتى لا تخرج خالية الوفاض أيضا، دون أي اعتبار للمصالح العليا للشعب السوري أو الأمة العربية.

هذه المخططات الغربية تحتاج إلى وقفة عربية حقيقية لمنعها من quot;بناء كانتونات خاصةquot; في سوريا، من خلال إجبارها على التعامل مع مظلة فاعلة مع المعارضة السورية، وهذا يتطلب توحيد معظم quot;فصائل المعارضة الخارجيةquot;، تحت مظلة المجلس الوطني السوري، بعد إعادة بنائه بطريقة فاعلة تجعل منه واجهة سياسية للقوى الثورية المقاتلة على الأرض، من الجيش الحر إلى الألوية والكتائب المسلحة، وأن يكون عمله منصبا على تزويد الثوار بالسلاح وعدم إضاعة الوقت في المماحكات السياسية غير المجدية، وفي الوقت نفسه العنوان الوحيد للتعاون الدولي مع الثورة السورية.

ترك المجال للقوى الغربية ومعها تركيا لفتح quot;دكاكينquot; داخل سوريا سيقود إلى تدمير الثورة السورية، وتحويل quot;المجموعات الصديقةquot; لهذه الدول إلى معاول هدم لسوريا الدولة، فالغرب وتركيا وروسيا ومن خلفهم إسرائيل يعملون إسقاط الدولة وليس نظام بشار الأسد في سوريا، لبناء سوريا على quot;مقاسهمquot; وهو ما يجب الانتباه له جيدا.