خيرالله خيرالله

كان يمكن ان يكون اسمه اسماً آخر غير ميشال سماحة. كان يمكن ان يكون اسمه ميشال عون او ايلي حبيقة، لو بقي الاخير حياً يرزق. كذلك كان يمكن ان يكون اي عنصر في الحزب السوري القومي الاجتماعي وما شابه ذلك. الاسماء ليست مهمة. المهم الدور الذي يلعبه هذا المواطن المسيحي او ذاك في خدمة سياسة سورية تجاه لبنان مستمرة منذ ما يزيد على اربعة عقود، اي منذ كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع السوري بين 1966 و1970.


تقوم هذه السياسة، الحاقدة على لبنان وعلى كلّ نجاح لبناني تماما مثل حقدها على السوريين وكلّ نجاح سوري، على عنوان واحد. هذا العنوان هو الانتصار على لبنان بديلا من الانتصار على اسرائيل. هذا كلّ ما في الامر. يتغيّر الاشخاص وتبقى السياسة السورية المتبعة تجاه لبنان ذاتها. المهمّ في كلّ وقت ان يكون المسيحيون منقسمين على انفسهم. من لديه ادنى شك في ذلك، يستطيع العودة الى الجهود التي بذلها النظام السوري على نحو مباشر وعبر ادواته في العامين 1989 و1990 من اجل اشعال الاقتتال المسيحي- المسيحي بين الالوية التي كانت بامرة قائد الجيش وقتذاك ميشال عون من جهة، وquot;القوات اللبنانيةquot; التي كانت لا تزال ميليشيا حزبية من جهة اخرى.
هل من يتذكّر ان عون، الذي كان يعتبر نفسه عدوّا لحافظ الاسد وحليفا لصدّام حسين، صار يتلقى دعما من الحزب السوري القومي ومن ايلي حبيقة وآخرين (ذخائر ووقود) لمجرد انه كان مطلوبا منه اطالة الحرب مع quot;القواتquot; والحاق اكبر ضرر ممكن بالمناطق المسيحية خصوصا وكلّ لبنان، بمسيحييه ومسلميه، على وجه العموم؟
من المفيد دائما العودة قليلا الى خلف واستعادة احداث معينة للتأكد من انه كان الرهان السوري دائما على تفتيت لبنان عن طريق وسائل عدة. بين هذه الوسائل شخصيات مسيحية متعطشة الى السلطة والى ادوار تلعبها بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه اللبنانيون.
كان هناك دائما استعداد سوري لاحتضان اي مسيحي او اي لبناني على استعداد للعب دور الاداة. من كان يصدّق يوما ان دمشق ستفتح ابوابها لايلي حبيقة الذي كان في الامس القريب عند الاسرائيليين؟ من كان يصدّق ان شخصا مثل ميشال سماحة، لا يؤمن بايّ حرف من اي كلمة ينطق بها، سيكون في يوم من الايام اهمّ شخصية مسيحية لبنانية بالنسبة الى السوريين واحد مفاتيحهم في باريس؟ لا يمكن بالطبع المرور مرور الكرام على ميشال عون الذي حاول ان يبزّ اي لبناني آخر في الانبطاح امام السوري معتقدا انه لا يزال لديه امل في ان يصبح يوما رئيسا للجمهورية...
لا داعي الآن الى اعادة سرد قصة الرئيس الراحل سليمان فرنجية مع النظام السوري واغلاق دمشق الحدود مع لبنان في ايّار- مايو من العام 1973 اثر تحرّك الجيش اللبناني من اجل السيطرة على المخيمات الفلسطينية ومنع التمدد المسلح خارجها.


وقتذاك، كانت تلك هي السياسة الحكيمة التي تحمي الفلسطينيين كما تحمي السلم الاهلي في لبنان. ولكن ما العمل عندما يكون هناك في دمشق من يتطلع الى استخدام السلاح الفلسطيني في لبنان من اجل اشعال حرب اهلية يقتل فيها المسيحي المسلم والمسلم المسيحي...ارضاء للطموحات السورية!
كذلك لا داعي الى استعادة الجريمة البشعة المتمثلة في اغتيال طوني سليمان فرنجية وافراد عائلته لترسيخ الشرخ بين المسيحيين وتسهيل وضع اليد السورية على لبنان.
لكلّ جريمة في لبنان قصة طويلة. لكلّ طائفة ومدينة ومنطقة لبنانية قصتها مع النظام السوري الذي سهّل عملية وضع اليد الايرانية على الطائفة الشيعية وسعى في كلّ يوم الى الانتقام من اهل السنّة الذين كانوا دائما شغله الشاغل، حتّى قبل ان يرفعوا شعار quot;لبنان اوّلاquot; وقبل ان يتبيّن ان رفيق الحريري لم يمت بوجود سعدالدين رفيق الحريري رافع راية الحرية والسيادة والاستقلال. انّه سعد الدين رفيق الحريري الذي يؤكد في كلّ دقيقة ان لبنان العربي السيّد الحر المستقل يقاوم كلّ انواع الاحتلالات والوصايات...
لا داعي اخيرا لاستعادة قصة الدروز مع النظام السوري بدءا باغتيال كمال جنبلاط وصولا الى اجبار وليد جنبلاط على دخول حكومة quot;حزب اللهquot; برئاسة نجيب ميقاتي بعدما باتت كلّ قرية وبلدة درزية مهدّدة!
مرّة اخرى، ميشال سماحة ليس مهمّا وذلك بغض النظر عن كل خدماته للنظام السوري. المهمّ ان هناك مرحلة جديدة في لبنان. كان توقيف ميشال سماحة بعد توجيه سلسلة اتهامات خطيرة اليه دليلا على ان النظام السوري انتهى. ما حصل ليس نهاية ميشال سماحة او ميشال عون لا فارق. ما حصل نهاية سياسة قائمة على فكرة تفتيت لبنان والقضاء عليه والحاقه بالنظام السوري العاجز عن السلم او الحرب... مع اسرائيل. انها باختصار سياسة الهروب المستمر الى امام. انها سياسة تتجاهل ان ازمة سوريا ازمة نظام وكيان في الوقت ذاته، سياسة تبحث عن انتصارات وهمية عن طريق اشخاص مرضى لا يعرفون شيئا عن تاريخ المنطقة.
هؤلاء لا يعرفون، على سبيل المثال ان الانتصار على لبنان ليس بديلا من الانتصار على اسرائيل وان مصير انظمة دموية تراهن على مثل هذا النوع من الانتصارات هو مزبلة التاريخ ولا شيء آخر غير ذلك... والبقية تفاصيل واسماء لا قيمة لها وادوار اقلّ ما يمكن ان يقال عنها انها انتهت وآن اوان نزول الذين ادوها عن خشبة المسرح!