ERIC TRAGER

بعد أن عمد الرئيس الجديد محمد مرسي المنتمي إلى laquo;الإخوان المسلمينraquo; إلى إقالة كبار المسؤولين العسكريين، أصدر إعلاناً دستورياً صادماً يمنحه صلاحيات تنفيذية وتشريعية كاملة، فضلاً عن سلطة اختيار المسؤولين عن صياغة الدستور المصري الجديد.
يبدو أن ldquo;المرحلة الانتقالية الكاملةrdquo; التي أرادتها إدارة أوباما نحو الحكم المدني في مصر بدأت تعطي ثمارها أخيراً، لكنها ليست ليبرالية ولا ديمقراطية.
يوم الأحد، بعد أن عمد الرئيس الجديد محمد مرسي المنتمي إلى ldquo;الإخوان المسلمينrdquo; إلى إقالة كبار المسؤولين العسكريين، أصدر إعلاناً دستورياً صادماً يمنحه صلاحيات تنفيذية وتشريعية كاملة، فضلاً عن سلطة اختيار المسؤولين عن صياغة الدستور المصري الجديد. بعد 18 شهراً على إسقاط حسني مبارك، حصلت مصر على دكتاتور جديد، وتعكس الطريقة التي اعتمدها مرسي للاستيلاء على السلطة الكثير عما سيفعله بتلك السلطة.

تأتي هذه الخطوات غداة الاعتداء الذي ضرب شبه جزيرة سيناء غير المستقرة في الأسبوع الماضي، حين قتل متشددون 16 جندياً مصرياً وسرقوا مركبة عسكرية وحاولوا اختراق الحدود الإسرائيلية، وبفضل تلك الحادثة، حصل مرسي على عذر لطرد المسؤولين الأمنيين الذين يطرحون أكبر تهديد على سلطته المحلية (وتحديداً قادة المجلس العسكري المصري الذي ضعف كثيراً الآن، وكان هذا المجلس قد أصدر في شهر يونيو إعلانه الدستوري الخاص الذي يحدّ من صلاحيات الرئيس المُنتخب حديثاً).
الأهم من ذلك هو أن مرسي استغل أزمة سيناء لكسب الصلاحيات التي خصصها المجلس العسكري لنفسه بطريقة غير ديمقراطية بموجب الإعلان الدستوري في مارس 2011. هكذا حصل مرسي على صلاحيات تنفيذية غير مسبوقة، بما في ذلك السلطة التشريعية الكاملة والميزانية العامة والشؤون الخارجية وأحكام العفو والتعيينات السياسية والعسكرية.
يحصل مرسي أيضاً بموجب إعلانه على صلاحية اختيار جمعية جديدة لصياغة الدستور المصري، ونظراً إلى ضرورة التصديق على الدستور الجديد عبر استفتاء شعبي قبل إجراء انتخابات برلمانية جديدة، يمكن أن يتدخل مرسي في عملية صياغة الدستور لتأخير الانتخابات التشريعية إلى ما لا نهاية، وبالتالي إظهار نفسه بصورة المشرّع الوحيد في مصر.
استناداً إلى الأدلة المتوافرة حتى اليوم، سيستعمل الرئيس المصري صلاحياته الواسعة لتنفيذ أجندة ldquo;الإخوان المسلمينrdquo; المتطرفة محلياً.
يكفي أن ننظر إلى رؤساء التحرير الذين عيّنهم لرئاسة اثنتين من أبرز الصحف المصرية التي تديرها الدولة. إن رئيس التحرير الجديد في صحيفة ldquo;الأهرامrdquo; هو من بقايا نظام مبارك السابق وقد اعتبر أن انتفاضة السنة الماضية ldquo;مموّلة من الخارجrdquo; وقد توقف عن كتابة المقالات في عام 2010 بسبب مقالاته ضد المسيحيين. أما رئيس تحرير صحيفة ldquo;الجمهوريةrdquo; الجديد، فكان قد أوقف مؤتمراً عن الحريات الدينية في عام 2008 ودعا إلى قتل أحد أشهر الناشطين في عام 2009، كذلك، أقدم رئيس تحرير ldquo;الأخبارrdquo; الجديد على منع نشر مقالة تنتقد ldquo;الإخوانrdquo;.
في غضون ذلك، اعترف وزير الدفاع الذي عيّنه مرسي حديثاً، عبدالفتاح السيسي، أن الجيش أخضع الناشطات لـrdquo;فحوصات عذريةrdquo; خلال حملة القمع الوحشية في ميدان التحرير في مارس 2011. في أول خطوة واضحة ضد المعارضين، بدأ نظام مرسي يطارد رئيس تحرير جريدة ldquo;الدستورrdquo; الخاصة هذا الشهر بتهمة ldquo;الإساءة إلى الرئيس عبر استعمال عبارات وكلمات يعاقب عليها القانونrdquo;.

يشعر السكان المحليون بعواقب استيلاء مرسي على السلطة، لكن من المستبعد أن يستمر هذا الوضع، فتشير تحركاته الأخيرة إلى أنه قد يحوّل تركيزه قريباً إلى السياسة الخارجية المصرية لتوجيهها بطريقة تسيء إلى المصالح الأميركية.
يمكنه القيام بذلك بفضل الإعلان الدستوري الذي أصدره، كما أنه يملك صلاحية التوقيع على المعاهدات (وإلغائها أيضاً) بفضل التعديلات التي أقرها في السنة الماضية على الدستور الموقت. يتوقع الكثيرون أن تبقى صلاحيات السياسة الخارجية بيد الجنرالات، لكن أصبحت القوات المسلحة تحت سيطرة مرسي بعد أن أعاد تشكيل قيادات الجيش سريعاً.
ثم نصل إلى انفتاح مرسي على خصوم الغرب، فخلال ستة أسابيع تقريباً على توليه الرئاسة، استقبل مرسي وفوداً رفيعة المستوى من ldquo;حماسrdquo; مرتين وتعهد بإبقاء معبر رفح مفتوحاً رغم تدفق المتشددين من غزة إلى سيناء. في الأسبوع الماضي، رحب بنائب الرئيس الإيراني ودُعي إلى حضور اجتماع ldquo;حركة عدم الانحيازrdquo; المرتقب في طهران.
إذا حضر ذلك الاجتماع، فسيكون أول رئيس مصري يزور إيران منذ الثورة في عام 1979، وقد يرافقه رئيس هيئة الأركان الجديد، محمد رفعت الطهطاوي، وهو سفير سابق في ليبيا وإيران وكان قد أعلن أن إسرائيل هي ldquo;أكبر تهديدrdquo; تواجهه مصر وأشاد بسورية لأنها ldquo;ركيزة أساسية لمعسكر المقاومة ضد إسرائيلrdquo; ودعا إلى توثيق العلاقات مع إيران وrdquo;حماسrdquo;.
يظن بعض المحللين في واشنطن أن مرسي لن يُقدم على أي خطوات جذرية في السياسة الخارجية، مثل إلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل. هم يصدّقون تطميناته الشفهية ويظنون أنه لن يزيد اضطراب الوضع في الوقت الراهن لأنه يحتاج إلى الاستثمارات الدولية لتقوية الاقتصاد المصري المتصدع.
لكنّ هذا المنطق نفسه كان يفترض سابقاً ألا يسارع الرئيس إلى تحدي الجنرالات، ففي نهاية المطاف، كان يجلس مبتسماً بالقرب من ضابط عسكري مصري كبير (أُقيل الآن) خلال المناسبات العسكرية، ويفترض المراقبون في واشنطن أن ldquo;الإخوانrdquo; يريدون التركيز على أسلمة البلد محلياً تزامناً مع تكليف الجيش بشؤون الأمن القومي.
لكن تبين أن خطة مرسي لا تقضي بالتكيف مع الوضع أو التحرك بشكل تدريجي. الآن وقد أعلن توسيع صلاحياته، تقضي أفضل طريقة لمنعه من التحرك سريعاً ضد المصالح الأميركية بالتصدي له فوراً.
بدل اعتباره زعيماً تم انتخابه ديمقراطياً (كما فعلت إدارة أوباما مراراً وتكراراً)، يجب أن تدين واشنطن طريقة استيلائه على السلطة وأن تضغط عليه كي يثبت التزامه بالحكم الديمقراطي وإلا سيجازف بفقدان النوايا الدولية الحسنة التي حظي بها بعد انتخابه. لكن إذا لم يحصل ذلك، فسيتمكن مرسي من متابعة ترسيخ سلطته محلياً من دون دفع الثمن في الخارج، ما يزيد احتمال مواجهة مفاجأة كارثية جديدة.
* مسؤول في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.