أحمد أميري

يبدو أننا نقف على كومة من الهشيم وليس على أرضية صلبة مشتركة من الإيمان بإله واحد وكتاب واحد ونبي واحد، إذ بمجرد إشعال عود ثقاب واحد، كتغريدة في quot;تويترquot;، تنتشر النيران الطائفية من حولنا.

وفي كل مرة يطالب العقلاء والمخلصون بالحوار بين الأطراف، وقبل أسبوع اقترح العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز تأسيس مركز للحوار بين المذاهب الإسلامية يكون مقره الرياض. ويأمل المرء أن يقوم المركز المذكور بالمساهمة في إخماد النار قبل أن تستفحل، ويأمل أيضاً أن لا يقتصر المشاركون فيه على الأصوليين والدعاة التقليديين، فالحوار بين هؤلاء غالباً ما يدور في حلقة مفرغة، وإلا ما كانت أوضاعنا هشّة إلى هذا الحد.

ويبدو أن المشكلة تكمن في آلية التفكير لدى الأصولي، فهو يبحث ليل نهار في أدلة صحة مذهبه، لذلك فإن الحوار بينهم لا يثمر إلا مزيداً من التصلب والجمود، هذا على افتراض أنهم التقوا على أرضية قناعة مشتركة بجدوى التقارب، سعياً لتحقيق التعايش وقبول الآخر، إذ يحكى أن أحد العلماء اشترط أن ينطق صاحبه الشهادتين قبل أن يجلس معه لإزالة سوء الفهم بينهما!

الحوار بين الأصوليين محصور في نطاق العقل، ويسعى كل واحد منهم إلى إلزام الآخر بحججه. وآن الأوان للتفكير خارج الصندوق، ولنجرب فتح النوافذ لنسائم التصوف، ليكون حواراً بين المتصوفة من أهل المذاهب.

فمن المعروف أن التصوف لا يعد مذهباً قائماً بذاته، وإنما هو طريقة في الوصول إلى الله، يسير فيه المرء بقلبه بعد أن تجاوز مسألة الاقتناع بالمذاهب من عدمها، فالمذهب عنده مجرد قالب وخارج نطاق التفكير، وهو يتعبّد بمذهبه في ظاهر أمره، ولا يعبده في جوف قلبه، بل يعبد من هو أقرب إليه من المذاهب، الله.

وما يجمع الصوفية من أتباع المذاهب الفقهية المختلفة هو أنهم يدعون أولاً وأخيراً إلى تهذيب النفس وتنقية القلب وعدم إيذاء أحد وحب كل المخلوقات والاستئناس بذكر الله.

وإذا كانت غاية الأصولي السُني و الشيعي أن ينتصرا لمذهبيهما، فهذا يعتبر عدالة الصحابة مسألة غير قابلة للنقاش، والآخر يعد عصمة الأئمة من أقدس المقدسات، بحيث يكون التقريب بين المسألتين مستحيلا، فإن منتهى أمل الصوفي أن ينتصر في معركته مع نفسه، وهمّه أن يتصف هو بالعدل، وأن يرتقي هو ليكون معصوماً عن الزلات، مستعيناً في ذلك بالله، لا بالفذلكات أو النصوص أو الكتب.

ويفكر الصوفي مثل تاجر أُودعت لديه جوهرة نادرة على سبيل الأمانة، فينصب همّه على المحافظة على الجوهرة ليعيدها إلى صاحبها كما هي، وليس ترك المحل والوقوف في وسط السوق والجدال مع الآخرين بشأن أفضلية أشخاص كانوا قد تركوا هذه الدنيا منذ أكثر من 1400 سنة.

وهو يعلم أنه يخسر نفسه بالجدال، إذ يستخدم المجادل أبشع ما فيه لكسب المعركة وإلحاق الهزيمة بخصمه، متناسياً أن نفسه التي بين جنبيه جوهرة وهبها الله إياه وعليه أن يعمل على تلميع تلك الجوهرة وإعادتها إلى صانعها تلمع، ولا بأس بعد ذلك أن يقتدي بهدي من فلان أو علان، فبأيهم اقتدى اهتدى.

الحوار بين الأصوليين، أو الفقهاء التقليديين، لا يؤدي إلى الهدف الذي من أجله يجرى الحوار، فكلما بسط أحدهم أدلته، انقبض قلب صاحبه وازداد بُعداً وعداوة.