علي حماده


أعطي تصريح نائب رئيس الحكومة في نظام بشار الأسد قدري جميل في موسكو أكثر مما يستحق. فقوله ان استقالة بشار الأسد يمكن ان تكون مطروحة على طاولة المفاوضات بدون شروط مسبقة، ليس باختراق كبير، بل إنه يشبه المناورة المنسقة بين النظام في سوريا والقيادة الروسية، ولا سيما أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا القول هو محاولة انتزاع المبادرة الديبلوماسية من الغرب والعرب المساندين للثورة السورية.
كلام قدري جميل ما كان ليقال لولا تفاهم دقيق بين بشار وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، كما انه ما كان ليقال من شخص أقل ما يقال عنه انه هامشي في الهرمية القيادية للنظام في سوريا، وبالتالي فإنه لا يملك مفاتيح الكلام السياسي الجدي خارج التنسيق مع بشار وبطانته الحاكمة.
طبعا لا بد لنا من التذكير بمحطة روسية سابقة ربما هدفت أيضا الى استدراج المجتمع الدولي الى طاولة مفاوضات، أو الى إحداث إرباك في الجبهة المؤيدة للثورة السورية. فقد سبق لنائب وزير الخارجية الروسي ان تحدث في مقابلة لجريدة quot;الوطنquot; السعودية (على هامش مشاركته في القمة الاسلامية في جدة) انه كشف عن استعداد بشار الأسد للتنحي، وعن إصابة ماهر الأسد الخطيرة جراء تفجير مقر الأمن القومي في دمشق وبتر قدميه وبقائه بين الموت والحياة. وقد نفت موسكو تصريح المسؤول الروسي دون ان تتوغل كثيرا فيه، ولا سيما بعدما أماطت جريدة quot;الوطنquot; السعودية اللثام عن التسجيل الصوتي. والحال ان كلاماً بهذه الخطورة وفي السعودية نفسها ما كان ليصدر عن نائب لافروف المعتبر صقر الصقور في القيادة الروسية لولا وجود هدف من ورائه، قد يكون أحد أمرين أو الاثنين معاً: هزّ العصا لبشار لضبطه ووضعه تحت الوصاية التامة، أو محاولة فتح كوة في الجدار الديبلوماسي الذي رفعه الأميركيون ويتهربون في المرحلة الراهنة أمام إلحاح روسي لفتح مفاوضات (بازار).
موسكو تعرف تمام المعرفة ان بشار انتهى، وإنها وطهران غير قادرتين على حمل نظامه على كتفيهما والمضي فيه بعيدا. فكل المؤشرات العسكرية والسياسية والاقتصادية هي في غير مصلحة بشار. وقوته العسكرية في تراجع متواصل.
تقديرنا ان موسكو الراغبة فعلاً في فتح مفاوضات دولية جدية حول مستقبل سوريا، هي متمسكة ظاهرياً ببشار ما دام لم يجلس الأميركيون والأوروبيون إلى الطاولة. وفي المقابل فإن واشنطن غير مستعجلة ما دامت الثورة تحقق نجاحات متواصلة (وان بطيئة). وكما سبق ان قلنا مراراً وتكراراً: ان هوامش النظام ضيقة جداً، أما الثورة فهوامشها واسعة، وهي ككرة الثلج كبرت وتكبر وستكبر مستقبلاً.
خلاصة القول ان بشار مجرم على مائدة اللئام!